بات الإعتذار عن مهمة تأليف الحكومة وارداً لدى الرئيس المكلف سعد الحريري، بعد أن كان متمسّكاً في الأشهر الستة الأخيرة بعدم الإعتذار، وذلك لأنّ «الأفق يبدو مسدوداً» مع الفريق الحاكم، لا سيّما منه المعني بالتأليف، أي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومن خلفه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل. لكن لماذا بات الإعتذار وارداً في هذه اللحظة؟ وهل من علاقة للعقوبات الفرنسية أو الأوروبية بهذا الخيار؟ أو أنّ «كلمة السر» السعودية التي ينتظرها الحريري كما يقول فريق عون باتت واضحة بأن لا دعم له ولا للبنان، بل إنّ التضييق مستمرّ، مع القرارات المتوالية بمنع دخول منتجات لبنانية الى الأراضي السعودية؟

حتى الآن، الإحتمالات كلّها واردة لدى الحريري، ولا شك في أنّ زيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان ستشكّل عاملاً إضافياً في ملف التأليف، خصوصاً لجهة من ستشمل وماذا ستحمل، وقد تدفع الأفرقاء الى التنازل أو الى التعنّت والتمسّك بمواقفهم. وتقول مصادر قيادية في تيار «المستقبل»: «طالما الأمور متوقفة وجامدة ولا يمكن فتح ثغرة فيها، بات احتمال الإعتذار لدى الحريري كبيراً، وفتح المجال للحكم ولرئيس الجمهورية للعب الدور المفترض على مستوى الحكومة المقبلة، في ظلّ تمسُّك عون وباسيل بحكومة يسيطران عليها».

 

وعن احتمال الإعتذار في هذه اللحظة، فيما أنّ موقف عون وباسيل كان واضحاً منذ تكليف الحريري ولم يتبدّل، توضح المصادر نفسها أنّ «هذا الواقع لم يكن معروفاً منذ 6 أشهر، وكان يُنتظر أن تلين المواقف، وأن تتغلّب المصلحة الوطنية على الشهوات الشخصية. لكننا فقدنا الأمل، حتى لجهة التعاطف الانساني من قبل الحكم».


 
 

من جهتها، تقول مصادر نيابية في «المستقبل»: «إنّ الحريري منذ تكليفه قال ما لديه. وإنّ أي موقف يأخذه أو أي تسوية يجريها تحكمه المصلحة الوطنية. وبالتالي إصراره حتى الآن على عدم الإعتذار منطلق من هذه المصلحة، ومن طريقة العمل للاستفادة من المبادرة الفرنسية، التي تعبّر عن المجتمع الدولي والعربي، وهي فرصة الإنقاذ الأخيرة للبلد. وبالتالي إنّ التشبث بعدم الإعتذار ليس تمسكاً بموقع بل لإفادة البلد من هذه الفرصة. وحين لا يعود هناك من إفادة أو فرصة للبلد ويستمرّ الوضع على ما هو عليه، سيكون للحريري موقف آخر، قد يكون اعتذاراً أو غيره».

 

أمّا عن التبدلات الإقليمية، والمفاوضات على أكثر من صعيد، وفتح الخطوط السعودية - الإيرانية والسعودية - السورية، فضلاً عن المباحثات حول الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الاميركية والمجتمع الدولي، ومدى تأثير هذه الحوارات والتسويات المرتقبة على لبنان وملف التأليف، وعلى اتخاذ الحريري قرار الإعتذار، إضافةً الى ما يُحكى عن عقوبات فرنسية أو أوروبية قد تطاول قريبين من الحريري، تقول المصادر القيادية في «المستقبل»: «بصرف النظر عن أي طروحات، إذا كان الحريري سيأخذ هذا القرار فذلك بسبب انسداد الأفق وليس بسبب العقوبات أو غيرها». وتشير الى «أنّنا قلناها منذ زمن ونكرّرها، أي شخص فاسد هو فاسد، بصرف النظر إذا كان في تيار «المستقبل» أو غيره، فنحن يهمنا أن تتنقى أجواءنا من أي فساد».

 

ويبدو أنّ الموقف السعودي بات يطرح سؤالاً لدى أوساط في «التيار الأزرق»، ما الذي يريده السعوديون؟ في المقابل، تقول الأوساط النيابية في «المستقبل»: «الموقف السعودي هو نفسه فالسعودية تتعاطى مع لبنان كدولة، صحيح لديها حلفاء وأصدقاء في الداخل، لكن تعاملها مع لبنان الدولة والرسمي، وليس مثل إيران عن طريق «حزب الله» الذي بالنسبة اليها يختزل الدولة اللبنانية». وتشير الى أن «لدى السعودية عتباً كبيراً على لبنان الرسمي لأن «حزب الله» وبتوجيهات إيرانية يستخدم لبنان للهجوم على السعودية بمساعدة الفريق الحاكم على رأسه رئيس الجمهورية، الذي سبق أن قام بتهجمات وممارسات أضرّت باللبنانيين ولبنان والعلاقات اللبنانية - السعودية، وإنّ الحصار هو بسبب هذه السياسة التي يعتمدها هذا الفريق الذي أخذ لبنان الى تحالفات ومواقع بعكس تاريخه ومصلحته».

 

منذ عام 2016 برّر الحريري التسوية الرئاسية بهدف «الاستقرار»، على رغم خسارته لعلاقات داخلية وخارجية، فضلاً عن جزء من شعبيته، فلماذا لا يتنازل الآن أيضاً ويقبل بتسوية كما يدعو رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، أو يقبل بالتواصل مع باسيل، لحلحلة التأليف، وبالتالي «الإستقرار»؟ أم أنّه لا يقبل بعد الآن بأي خسارة؟


 
 

القريبون من الحريري يؤكدون أنّ «البحث عند الرئيس المكلف ليس الربح والخسارة، بل هل يمكننا تحقيق شيء أم لا، فالحريري يربح بالإنجاز ويخسر بالفشل». ويوضحون أنّه «مصرّ على عدم التواصل مع باسيل لأنّه لا يعتقد أنّ هذا الاتصال سيؤدي الى إنتاج فعلي، وإذا كان هناك من بادرة أمل من باسيل، عليه أن يقبل بحكومة اختصاصيين وألّا يطرح أسئلة وتحديات مثل من يعيّن الوزراء المسيحيين؟ فحين تكون الرسائل الموجّهة من باسيل سلبية، لماذا سيلتقيه الحريري؟». كذلك يرون أنّ «الأمر لا يتعلق بباسيل، بل إنّ القبول بشروط عون وباسيل سيعيدنا الى التجارب الحكومية السابقة الفاشلة والتي لا يريدها لا الفرنسيون ولا المجتمع الدولي». ويشددون على أنّ التأليف، بحسب الدستور، مُناط بالرئيس المكلف بالاتفاق مع رئيس الجمهورية فقط. وإذ يعترفون أنه «حصلت في فترات سابقة تجاوزات للدستور في هذا الإطار، جعلت الفريق الحاكم يسعى الى تكريس أعراف مخالفة للدستور في محطات متكرّرة»، يؤكدون أنّ تعديل «اتفاق الطائف» بالممارسة غير مقبول ولا مسموح.

 

ويشيرون الى أنّ الحريري سمع في كلّ الزيارات التي أجراها للخارج، مواقف مصرّة على استمراره في محاولة التأليف ومشجّعة لموقفه وداعمة لحكومة برئاسته وبالمواصفات المتمسّك بها أي من وزراء اختصاصيين غير حزبيين بلا ثلث معطّل، وآخرها خلال زيارته لروسيا. ويقولون: «طالما أنّ المجتمع الدولي داعم للمبادرة الفرنسية ويميل الى أن يكون هناك حكومة بهذه المواصفات يقبلها المجتمع الدولي، فالحريري مستمرّ في هذه الصيغة».

 

إنطلاقاً من ذلك يرفض الحريري التسوية، ولأنّه يعتبر أنّ شروط المجتمع الدولي ومستلزمات نجاح الحكومة هي أن تكون حكومة اختصاصيين حصراً. وهو «لم يسمع شيئاً آخر حتى الآن».