عام 2015 ارتفع منسوب التوتر في العلاقة بين الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، وشكّل ذلك إحدى المحطات المتوترة النادرة في تاريخ العلاقات بين الحليفين.

 

وكان الرئيس الاميركي يومها باراك اوباما يضع اللمسات الاخيرة على الاتفاق حول الملف النووي مع ايران. ووصل التوتر الى حد زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو واشنطن بالتفاهم مع معارضي الاتفاق حيث تحدث في سابقة تاريخية امام الكونغرس الاميركي ضد سَعي الرئيس الاميركي لإبرام الاتفاق. يومها اعتبر البيت الابيض ما قام به نتنياهو تدخلاً سافراً لمسؤول اجنبي في الشؤون الاميركية الداخلية.

 

صحيح انّ واشنطن عادت ووقعت الاتفاق، الا ان الحزب الديموقراطي خسر الانتخابات الرئاسية وفاز فيها بنحو مخالف لكل التوقعات دونالد ترامب صاحب الشخصية الجدلية والآتي من خارج المؤسسات وعمل على إلغاء الاتفاق وتعاونَ الى الحد الاقصى مع اسرائيل، لكن ثمة من يعتقد ان نتنياهو حالفه الحظ بوصول رئيس اعلن الحرب على رجال ادارة اوباما، وإلّا فإنّ الامور كانت ستذهب في اتجاه ارتدادات في غاية السلبية على العلاقات الاميركية ـ الايرانية بعدما تم تفسير خطاب نتنياهو امام الكونغرس بأنه أشبه بالتحدي للبيت الابيض.


 
 

وبعد نحو خمس سنوات عادت الامور الى النقطة السابقة، وها هي واشنطن تستعد لإعادة احياء الاتفاق مجددا ورفع العقوبات التي خنقت الاقتصاد الايراني، ولكن مع الاستفادة من الدروس المستقاة وعلى اساس ان يشكل الاتفاق بداية مرحلة جديدة في الشرق الاوسط.

واسرائيل بدورها تعلمت الدرس، رغم انّ اي تبدل جذري على مستوى قيادتها السياسية لم يحصل بعد.

فإسرائيل القلقة جداً من العودة الى الاتفاق وتالياً اعادة فتح شرايين التواصل بين طهران وواشنطن وايضا الدورة الاقتصادية العالمية، بدت اكثر هدوءاً وانضباطاً في التعبير عن اعتراضها على سلوك واشنطن. فما حصل مع اوباما كان في نهاية ولايته الثانية، بينما جو بايدن هو في بداية ولايته وهو ما يجعله في ذروة قوته كونه في اول مشواره الرئاسي. وظهر ذلك مع استطلاع الرأي الذي جرى في مناسبة مرور مئة يوم على تولّيه السلطة. وأظهرت النتيجة ان ما بين 52 % الى 58 % راضون عن أداء بايدن في مقابل 39 % الى 42 %.

 

صحيح ان هنالك كثيراً من الرؤساء الذين سبقوه كانوا قد سجلوا نسباً اعلى، إلا أنّ بايدن تفوّق على ترامب الذي حاز يومها 40 % فقط في الفترة نفسها، أضف الى ذلك الاحداث الخطيرة والانقسام الحاد الذي رافق انتخاب بايدن وأدى الى التأخر في اعلان النتيجة وسط تشكيك ترامب بنزاهتها. المهم أن اسرائيل اعربت في كثير من المناسبات عن معارضتها العودة الى الاتفاق من دون ادخال تعديلات اساسية عليه، نظراً للخطر الذي يحدق بإسرائيل. وأرسلت الى واشنطن وفداً امنياً رفيع المستوى للبحث في المخاوف الاسرائيلية.

 

في العادة، كانت اللقاءات على هذا المستوى من الاهمية تبحث مباشرة في لقاء يجمع الرئيس الاميركي مع رئيس الحكومة الاسرائيلية، وهو ما يعكس تراجع الحرارة بين الادارة الديموقراطية وحكومة نتنياهو. وقيل ان الوفد الامني الاسرائيلي تلقى تطمينات اميركية حيال المفاوضات مع ايران، وخصوصاً حيال الساحتين السورية واللبنانية في الجانب المتعلق بـ»حزب الله» ومسألة الصواريخ الدقيقة التي تثير قلق اسرائيل.

 

وبَدا واضحاً أن اسرائيل ترى في الصمت المطبق من الجانب الاميركي حول تفاصيل ومسار المفاوضات مع ايران ما يؤكد جديتها القصوى، وهو ما عزّز الاقتناع لديها بأنّ الاتفاق حاصل وأن واشنطن حريصة على حمايته الى الحد الاقصى، وأنها لن تستطيع التأثير على المفاوضات الدائرة.


 
 

في الواقع، لإسرائيل وجهة نظر لم تجد لها قدرة على تسويقها في واشنطن. فهي تنطلق من الرأي القائل انّ اقتصاد ايران على شفير الانهيار، وانّ احتياطها من النقد الاجنبي الصالح للاستخدام تراجع الى حدود 4 مليارات دولار، وان العملة الوطنية فقدت كثيرا من قيمتها وان تداعيات كورونا زادت من أثقال الاقتصاد، ما يعني ان الدولة اصبحت ضعيفة وفق وجهة النظر الاسرائيلية. وبالتالي، فإنّ حبل الانقاذ الاميركي والمتمثل برفع العقوبات يجب ان يقترن باتفاقين إضافيين، الاول حول الصواريخ الايرانية البالستية، والثاني حول وقف الدعم الايراني للقوى المتحالفة مع طهران وفي طليعتها «حزب الله».

 

الوفد الامني الاسرائيلي، والذي لم ينجح في معرفة كثير من المعلومات حول المفاوضات مع ايران، عاد متحدثاً عن حصوله على التطمينات الامنية التي كان يسعى اليها، خصوصاً حيال «حزب الله».

 

وتدرك اسرائيل اهمية العامل الروسي حول هذا الملف، ذلك ان روسيا التي اصبحت قوة اساسية في الشرق الاوسط منذ تدخلها في سوريا في 30 ايلول 2015، باتت تملك عددا من مفاتيح اللعبة لا سيما منها تلك المتعلقة بالنفوذ الايراني في سوريا ومن خلالها في لبنان. لذلك تعمل اسرائيل على تعزيز التفاهم الاميركي - الروسي في سوريا ولبنان ايضاً.

 

أخيراً صدر تقرير عن «معهد ابحاث الامن القومي» في جامعة تل ابيب تطرّق الى تصاعد مستوى الاتصالات بين روسيا والمسؤولين اللبنانيين. وأشار هذا التقرير الى انّ روسيا تنظر الى التداخل ما بين الساحتين السورية واللبنانية من الناحيتين الامنية والاقتصادية. وبالتالي، فإنّ انعدام الاستقرار في إحداها سيؤثر على الاخرى، ما يجعل روسيا مهتمة بالساحة اللبنانية للحفاظ على مصالحها على الساحة السورية.

 

واشار التقرير الى انّ بحوزة روسيا أدوات ووسائل متنوعة من اجل التأثير على الوضع في لبنان، ومنها الانتشار العسكري الروسي في مناطق استراتيجية في سوريا، لها علاقة بمصالح لبنان الامنية.

 

وبحسب التقرير، فإن موسكو حافظت على علاقات مع كافة القوى اللبنانية من خلال قنوات رسمية وغير رسمية. وهي مهتمة لإعادة مليون ونصف مليون نازح سوري باتوا على الاراضي اللبنانية، وتعمل لتأمين التمويل الدولي لذلك، كما ان روسيا معنية بموطئ قدم في مجال الطاقة في لبنان. لكن أهمّ ما جاء في التقرير دعوته ليس فقط لمتابعة الحركة الروسية في لبنان، بل خصوصاً لطرح الملف اللبناني من ضمن الحوار المفتوح الجاري بين روسيا واسرائيل. والمقصود هنا كل المسائل المتعلقة بـ»حزب الله»، وهذا ما يدفع للاستنتاجات التالية:


 
1 - انّ الاتفاق النووي الاميركي - الايراني والجاري إحاطته بستار حديدي من اجل حمايته من اي تشويش، سيرى النور في توقيت هو في الغالب بعد الانتخابات الرئاسية الايرانية اي في الصيف المقبل.

2 - تعمل واشنطن على تأمين ظروف ولادته إما من خلال وفود الى المنطقة كما سيحصل خلال الايام المقبلة، او بدفع دول المنطقة وخصوصاً السعودية الى تبريد جبهاتها مع ايران وانجاز التسوية في اليمن.

3 - تبدو اسرائيل عاجزة عن التأثير في القرار الاميركي حول الاتفاق، وتُحاذِر اي خطوة متهورة ضد ادارة بايدن في عز انطلاقتها، وهي التي تدرك انّ الفريق الذي يتولى هذا الملف داخل الادارة الاميركية هو من اكثر الفرق حرفية ومهنية.

4 - توحي اسرائيل أنها حصلت على الضمانات التي تطلبها حيال «حزب الله» في لبنان، خصوصا بعدما وضع جانباً اي ملف اضافي يشكل ملحقاً للاتفاق النووي. والمقصود هنا ما يتعلق بملفي الصواريخ و»حزب الله»، وليست مسألة عادية ان يجتمع الرئيس الاميركي برئيس الموساد فهذا يعني البحث في عدد من التفاصيل الامنية الحساسة.

5 - الضمانات التي حصلت عليها اسرائيل والتي ستشرك فيها روسيا في مرحلة ما قد لا تكون بعيدة وسنشهد عليها في سوريا ولبنان ايضاً، ما يعني ان الانتهاء من توقيع الاتفاق النووي سيعني ربما فتح الورشة الصاخبة في سوريا ولبنان نهاية الصيف المقبل على الأرجح.

 

ويبقى ايضاً وجوب التنبّه الى مسألتين أساسيتين: الاولى المدى الذي سيصل اليه واقع الانهيار الداخلي اللبناني وبالتالي بأي حالة سيصل الى نهاية الصيف، والثانية كيف ستكون المفاجآت التي سيخبّئها «حزب الله» وموقف ايران في الوقت نفسه، ربما علينا ان نرصد موقف حزب الله بعد اجتماع لجنة ترسيم الحدود البحرية.