أنا... الموقّع أعلاه... صاحب هذا المقال، أقـرُّ وأعترف بأنّه كانت لي وساطةٌ إيجابية لدى الرئيس أمين الجميل لدعم تعيين العميد ميشال عـون قائداً للجيش، بناءً على رغبة ملحّة من الرئيس كميل شمعون.

 

وكانت حجّـة الرئيس شمعون أنّ ميشال عـون قـويٌّ في لبنانيَّته، صلبٌ في مسيحِّيته، مقرَّبٌ جـداً إلى الرئيس بشير الجميّل، وأنّ هذا التعيين من شأنه أن يطيّب الخواطر المفجوعة باغتيال البشير.


 
 

وهكذا كانت قيادة الجيش المدخل الذي تدرّج بـهِ الجنرال إلى رئاسة الحكومة، ومنها إلى الرئاسة الأولى.

 

لم أكُـنْ أودّ الإفصاح عن هذا الأمر وقد أودعْتُـهُ جعبةَ التاريخ لو لم يكنْ الجنرال عـون نفسه قد ألمـحَ إليه في إحدى حلقات مذكَّراته مع الأستاذ جان عزيز في محطة o.t.v.

بحكم الصلةِ التي تربط السبب بالمسبّب..

 

ولأن مِـنْ طبيعة الإنسان أن يواكبَ رهانَـه، كنت أتابع المسيرة الجنرالية حريصاً على نجاحها، بعد سلسلة من الهزائم والإنكسارات التي أصابتْ الوطن في أعرق أصوله الحضارية ومسلّماته النموذجية.

 

الصورةُ المعنوية والشخصية المتحفّـزة للجنرال عـون، والمواقف الوطنية القاطعة حـول لبنان العظيم وشعب لبنان العظيم ، كانت توحي حتى - لدى خصومه - بأنّ الرجل يحمل الذخيرة المقدّسة للإرتفاع بلبنان إلى مشارف الفردوس.

 

وخطاب القسم الرئاسي، بما اكتـنزَ واحتوى كان يبشّر أيضاً بأنّ خطاب الجنرالات يكتب الكلمات المسنَّنة وقعاً وواقعاً على حـدّ السيف.

 

مع بداية الولاية حتى ربْعِها الأول، كان الأمل لا يزال معقوداً على رجل العهد، بعدما أَعلنَ في لقاءٍ مع الطلاّب الجامعيين «سأسلّم لبنان وطناً أفضل بكثير مما كان عليه...»

 

وراح يعزّز العزم تباعاً بالوعد:

لا تخافوا لن نترك السفينة... سنقوم بعملية إنقاذ ولن نجعل أحداً يسيطر على لبنان (1).

لن أتراجع عن معركتي ضـدّ الفساد، وأنا بـاقٍ على وعدي لحفْـرِ الصخر مهما تصلّب...(2)

أنا ماضٍ في برنامجي الإصلاحي... وأنا أتيتُ لأُحدثَ التغيير ولن أتراجع..(3)

ولكنْ في موازاة هذه التأكيدات والوعود، أخذ يتقلّص ظـلّ العهد باستنساخ رجال ظـلٍّ خلافاً للأصل، وراحت المسيرة الرئاسية تشهد انتكاسات تلـو الأخرى لا مجال هنا لتعداد تفاصيلها الشاخصة في البيان والأذهان... ونخال الرئيس عـون بالذات قد استشعر ما تسبّب به رجالُ المظلاّت حين قال لجريدة الجمهورية: «ليتني ورثـتُ بستان جـدّي وما كنتُ رئيساً...»(4)


 
 

ونتيجةً للإخفاقات المتراكمة فوق الموروثات كان هذا الإنهيار الكارثي الذي أصاب البلاد في كل مرافقها ومؤسساتها، ولم يبقَ من أثـرٍ للدولة إلا أطلالٌ، لا يكون الوقوف عليها إلاّ للبكاء من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ.


 

ولبنان الذي أعلنه الرئيس عـون في منتدى باريس للسلام «شعلةَ سلامٍ وحضارة لا تنطفئ»... والذي رشَّحـه في الأمـم المتحدة مقـرّاً رسمياً لأكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار..» قد انطفأت شعلته في الرماد، وأصبح «رسمياً» بلداً ممسوخاً في نظر العالم: يستورد الجراد ويصدّر المخدرات.

 

السؤال المطروح بإلحاح، على المستوى السياسي والدبلوماسي والإعلامي، هو ما أعلنه الرئيس إيلي الفرزلي - وكان شاهداً من أهل تكتّل لبنان القوي - «بأنّ العهد يسعى إلى تصفية الدولة اللبنانية من أجل إيصال جبران باسيل رئيساً للجمهورية...»(5)

 

معطوفاً على ما قاله الرئيس عون لجريدة «الأخبار»: «يقفون ضد جبران للحؤول دون رئاسة الجمهورية».(6)

 

مهما يكن من أمـر، فلست أدري مع ما تبقّى من العهد، ما إذا كان الرئيس عـون قد يمـنُّ عليه اللـه بعصا موسى العجائبية ليحفِـرَ بها «الصخر» فينفجر منه الماء، ويشقّ الأمواج للعبور إلى البحر الأحمر، «حتى لا يبكي الناس على لبنان».

 

وإلاّ... فإنّ أبـرز ما يقتضي الحرص عليه، هو قـول الرئيس عـون لجريدة الجمهورية: «أنا أريد بعد رحيلي عن هذه الدنيا ، أنْ يبكي الناس عليّ وليس على لبنان...»(7) متجاوباً مع قول الشاعر أحمد شوقي:

إرفعْ لنفسكَ بعدَ موتِكَ ذِكْـرَها

فالذِكْـرُ للإنسانِ عمـرٌ ثـانِ.

 

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

1- خلال غداء الرهبانية الأنطونية : 17/1/2021.

2- من خطاب الإستقلال: 22/11/2020.

3- في اجتماع مالي اقتصادي في بعبدا: 8/3/2021.

4- جريدة الجمهورية: 31/3/2021.

5- جريدة الديار 24/4/2021.

6- جريدة الأخبار 13/8/2018.

7- جريدة الجمهورية: 29/3/2021.