لا يعاني القصر الجمهوري، فقط، عدم التواصل الكافي للرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في موضوع التأليف، بل إنّ خط بعبدا - عين التينة مقطوع أيضاً والاتصال مفقود بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري. فعلى رغم دخول بري الفاعل على خط التأليف، عبر مبادرة عملية واضحة، وتواصله مع غالبية الأفرقاء الداخليين لتذليل العقد الحكومية، فضلاً عن تواصله المستمرّ مع الفرنسيين والبطريركية المارونية وعدد من الدول، إلّا أنّ رئيس المجلس لا يتواصل مع رئيس الجمهورية، ولا يطرح عليه مبادرته مباشرةً، بل إنّ «حزب الله» ينقل أفكار بري الى عون وفريقه.

هذا الاتصال المقطوع بين عون وبري، من أسباب عدم حلحلة كثير من الأوضاع ومنها التأليف. حتى أوساط البطريركية المارونية ترى أنّ المطلوب من رئيس مجلس النواب أن يخاطب رئيس الجمهورية ويتواصل معه ويضعه في أجواء اقتراحه، مستغربةً أنّ «أحداً من المسؤولين لا يتكلّم مع أحد، وأنّ هناك حسابات شخصية وصغيرة في ما بينهم».

 

لا شك أن الكيمياء مفقودة بين الرئاستين الأولى والثانية كذلك بين بري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ولقد شهدت العلاقة بين الجهيتن وبين فريقيهما السياسيين خلافات ونزاعات واتهامات عدة، لا تزال مستمرّة، مباشرةً أو تلميحاً، من خلال البيانات التي تصدر عن كلّ من تكتل «لبنان القوي» أو «التيار الوطني» ورئيسه باسيل من جهة وعن حركة «أمل» أو كتلة «التنمية والتحرير» من جهةٍ ثانية. ومن اللافت أنّ التفاهم غائب بين الفريقين حيال أي ملف أو موقف.


 
 

وإذ سبق أن قال بري في أكثر من مناسبة إنّ مبادرته الحكومية تصطدم بمطلب «الثلث المعطل»، الذي يُقال إنّ عون يطالب به، على رغم تأكيد رئيس الجمهورية عدم مطالبته مرّةً بهذا الثلث، يتبادل الفريقان الاتهامات حيال التدقيق الجنائي وملف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، فضلاً عن انتقاد باسيل سابقاً تخصيص وزارة المال للشيعة. وسبق أن نُقل عن عون أو أوساطه عبر مقالات صحافية اتهامه لبري وآخرين بأنّهم لا يريدون التأليف لأنّهم لا يريدون التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، أو أنّهم يقايضون التأليف بسحب هذا التدقيق. ويُلاحظ البعض أنّ بري يضغط على عون في ملف الانتخابات النيابية الفرعية التي يصرّ على إجرائها، والتي ستحصل في دوائر «مسيحية» حيث يتواجد «التيار»، ويتواصل مع الحريري فيما لا يتواصل مع عون.

 

في تاريخ العلاقة بين الطرفين، لم ينتخب بري ونواب «التنمية والتحرير» عون رئيساً للجمهورية على رغم أنّه مدعوم من «حزب الله»، ولعلّ الموقف الأكثر حدة الذي أطلقه «التيار الوطني» ضد بري، كان قول باسيل في فيديو مُسرّب له، في عام 2018، إنّ بري «بلطجي وليس رئيساً لمجلس النواب». راهناً، يركّز فريق بري على الفساد في قطاع الكهرباء الذي تولّى إدارته «التيار» في السنوات الأخيرة عبر وزرائه المتعاقبين على وزارة الطاقة والمياه. ولم يُقرّ مجلس النواب قانون التدقيق الجنائي في مصرف لبنان إلّا بشمله مؤسسات الدولة وإداراتها، ومنها مؤسسة كهرباء لبنان.

 

كذلك حصل تجاذب بين الفريقين حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وتعديل مرسوم تحديد هذه الحدود، بعد أن كان بري قد وضع إطاراً عاماً لهذه المفاوضات بعد عشر سنوات من العمل. ويرى البعض أنّ «عون سعى الى أن «يعلّم» على بري والجميع بإصراره على توسيع هذه الحدود وفق الدراسة التي أعدتها قيادة الجيش، لكن هذا الأمر انعكس عليه، بعدم معارضة أي طرف لهذا التعديل، وبالتالي أُحرج ولم يوقّع المرسوم وأحاله الى رئاسة مجلس الوزراء لتوقيعه من الحكومة مجتمعةً». وتقول مصادر قريبة من بري: «هذا المرسوم حُكي عنه كثيراً وأنّ الرئيس بري لا يريد تعديله وسيضيّع الحدود في المفاوضات، فيما أنّ الرئيس بري ثبّت الحق وأنّ هناك حقاً للبنان في مياهه وأكد أنّه لن يسمح بأن يأخذ أحد كوب مياه من أرضنا، وبالتالي هو ثبّت الحق وعلى الحكومة أن تفاوض، لكن للتفاوض أصول، وأحد لا يمكنه أن يزايد علينا لا بالدفاع عن الأرض ولا بالمقاومة».

 

وعن عدم تواصل بري مع عون، على رغم أنّ هذا التواصل قد يساهم في تذليل العقبات أمام تأليف الحكومة، تقول المصادر القريبة من بري: «ربما لا يتواصل الرئيس بري مع الرئيس عون، وذلك لأنّ عون يريد أن يسجن بري والحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.. ويُنقل عنه كلام لا جدوى منه». وتؤكد «أنّنا نحترم المقامات، والرئيس بري لا يتعرّض للرئيس عون لا بالسر ولا في العلن، لكن في المقابل يصل الى عين التينة كلام كثير عن عون بحيث يقول إنّه يريد أن يكسر رأس فلان ويسجن علتان». وترى المصادر نفسها أنه «يجب قراءة التاريخ، فهم يضيّعون لبنان والمسيحيين والموارنة، لذلك نرى وعياً كبيراً لهذا الأمر لدى البطريركية والفاتيكان». وتعتبر أنّ «المسيحي يُحفظ في البلد من خلال القانون والدولة. فأي طائفة لا يمكنها أن تسيطر وتهيمن. ولا يمكن أن يقوم لبنان إلّا بالعيش المشترك، وبالتساوي أمام القانون».


 
 

وعلى صعيد التأليف، تشير المصادر إيّاها الى أنّ «الأخوان في «الحزب» يتواصلون مع عون ويطرحون مبادرة الرئيس بري. ونعلم من خلال الهجومات على الرئيس بري عبر مواقع التواصل الاجتماعي «إنّو ما مشي الحال».

 

على خط بعبدا، تقول أوساط قريبة من عون: «ربما بري مستمرّ في وساطته الحكومية، لكن كيف تُترجم عملياً، أليس باتصال أو لقاء أو موعد. وهذه كلّها لم تحصل». وتؤكد عدم تواصل بري مع عون، وتقول: «لا نعرف أسباب عدم التواصل»، مؤكدةً أنّ «رئيس الجمهورية لم يقل يوماً كلاماً مسيئاً بحق الرئيس بري، لكن لديه ملاحظات سياسية على الأداء السياسي ولا شيء شخصياً. قد يكون الرئيس عون مزعوج من أسباب سياسية لكنه لا يهين أحداً أو يسيء إليه أخلاقياً».

 

وعن ملاحظات عون السياسية على بري، تشير الأوساط نفسها الى أنّها «حول موضوع الحكومة والتدقيق الجنائي».