يسود في الأوساط الصناعية قلق كبير من ان يتمدّد القرار السعودي القاضي بمنع استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية ليطال القطاع الصناعي، الذي يُصدّر بما بين المليار والمليار و200 مليون دولار سنوياً الى السعودية، لتحتل المركز الأول. فهل تحول مقررات بعبدا وجدّية الالتزام بها دون الوقوع في المحظور؟
 
يجتمع وفد من الصناعيين اللبنانيين برئيس الجمهورية العماد ميشال عون في العاشرة من صباح اليوم، وذلك لمتابعة موضوع حظر الاستيراد الزراعي من لبنان الى السعودية، وللمطالبة بضرورة اتخاذ إجراءات جديّة لمنع التهريب. فالصناعيون يخشون اليوم من ان يسري القرار السعودي عليهم، خصوصاً بعدما تردّد في الساعات الماضية عن اتجاه سعودي لاتخاذ قرار مماثل بالنسبة إلى استيراد المنتجات الصناعية اللبنانية.

 

وفي السياق، أكّد وزير الصناعة عماد حب الله لـ«الجمهورية»، ان «لا معطيات حتى الساعة انّ هناك اتجاهاً لاتخاذ قرار بمنع دخول الصادرات الصناعية الى المملكة العربية السعودية، انما هناك تخوف دائم لدى المسؤولين اللبنانيين والصناعيين. لكن كلنا ثقة انّ الأشقاء السعوديين لن يتحرّكوا في هذا الاتجاه، كون الصناعة لم تتسبّب لهم بأي مشكلة». وقال: «نحن حريصون على الصادرات الصناعية وسنقوم بكل ما يمكن ضمن امكانياتنا. وطلبنا للغاية تعاون ومؤازرة من الاجهزة الامنية والعسكريين والقضاء، للتحرّك بسرعة والكشف عن المتورطين ومحاسبتهم في أسرع وقت ممكن».


 
 

وأكّد حب الله، الذي شارك في الاجتماع الذي عُقد برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون يوم الاثنين في قصر بعبدا، «حرص الوزارة على ان تكون العلاقات ممتازة مع الدول العربية، خصوصاً دول الخليج والسعودية، وعدم اعطاء مبرر لأي جهة لأن تسحب تعاونها مع لبنان، فنحن نحرص على امن السعودية والخليج، وعلى الّا تحصل اي عملية تهريب لمخدرات او اي ممنوعات. لذا طلبنا من القوى الامنية والجمارك التشدّد في الإجراءات، كما طالبنا بشراء سكانر في أسرع وقت ممكن، وإذا استحال ذلك استئجارها او استعارتها من اي دولة صديقة لمساعدتنا في الكشف. كما طالبنا من غرفة التجارة والصناعة والوزارات المعنية بالتشدّد في مراقبة وتفتيش البضائع المصدّرة. ونأمل من وزير الداخلية ان يؤكّد للدول الشقيقة بأنّ لبنان متشدّد في المراقبة ولن يسمح بتكرار ما حصل».

 

بكداش

 

بدوره، قال نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش لـ«الجمهورية»: «انّ ما يهمّنا اليوم طمأنة السعوديين إلى جديّة التدابير التي سُتتخذ لمكافحة التهريب إليها. فالبيان الذي صدر امس الأول عن اجتماع بعبدا جيد، انما الأهم ان يُطبّق على الأرض لا ان يقتصر على الاستنكارات». ورأى بكداش انّ موضوع وقف استيراد المنتجات اللبنانية هو موضوع سياسي بامتياز، «لذا يتطلب تحركاً ومتابعة أكبر من قِبل المسؤولين. فنحن نطالب بمعرفة مصير الأشخاص الذين سهّلوا مرور البضاعة على المعابر وليس فقط سائق الشاحنة، انما من سمح بمرور البضاعة على المعبر والمرفأ. للأسف لم يتمّ توقيف احد حتى الساعة ضليع بهذا الموضوع، أكان على المعابر البرية او البحرية. فالشاحنة التي عبرت الحدود الى لبنان، ومن ثم المستوعب الذي جرى تصديره عبر المرفأ البحري، لم يتعاملوا مع اشباح. هناك على الأقل 10 اشخاص مسؤولين على كل معبر، الّا اننا لم نسمع عن تحقيق او توقيفات بعد. كذلك الحديث عن انّ اللبنانيين الذين يستلمون البضاعة السورية المنشأ في لبنان يشترطون ابرام عقد عند كاتب العدل يرفع فيها اللبناني مسؤوليته عن محتوى الشحنة قبل ان يصدّرها بإسمه الى الخارج، وذلك في طريقة واضحة للالتفاف على «قانون قيصر»، رغم كل ما يلحقه من ضرر على الجانب اللبناني في الدرجة الأولى».

 

ورداً على سؤال، قال بكداش: «كنا نخشى من المعابر غير الشرعية، حيث تهريب البضاعة والمحروقات والأدوية، ليتبين لنا انّ المعابر الشرعية اخطر وتسهّل مرور الحشيشة». وتابع: «نخشى اليوم اكثر من أي وقت مضى ضرب القطاع الصناعي، وذلك بعدما ضُربت القطاعات السياحية والتجارية والمصرفية وآخرها الزراعية. واللافت انّ كل هذه القطاعات تُدخل العملات الصعبة الى البلد، وقد خسر لبنان راهناً حوالى 30 مليون دولار متأتية من تصدير الخضراوات والفاكهة الى السعودية».


 
 

وأكّد بكداش ان «لا معطيات دقيقة بعد حول اي اتجاه لاصدار قرار بمنع تصدير المنتجات الصناعية، انما نخشى ان لا شيء يحول دون ذلك. فهل يصعب على وضع الحشيشة في الرمان ان يمرّرها في البضائع؟».

 

خليل

 

من جهته، أوضح رئيس نقابة مصدّري ومستوردات الفاكهة نعيم خليل الطريقة التي يعتمدها المهرّبون لتمرير بضائعهم وقال لـ»الجمهورية»: «انّهم يستعملون أسماء شركات وهمية للاستيراد، والسوري الذي يريد تصدير بضاعة يوكل هذه العملية الى لبناني، فيلجأ الأخير الى كاتب العدل لإصدار كفالة تفيد بأنّ التاجر السوري مسؤول عن هذه البضاعة في حال تبين فيها مشوبات مثلما حصل أخيراً. لكن البيان الجمركي اليوم يلاحق المصدر ويدقق في الشهادة الزراعية والمانيفست. وكل هذه الملاحقات تدين المصدر وليس التاجر السوري الذي سلّم البضاعة».

 

وفي السياق، رحّب خليل بمقررات بعبدا، شرط ان يتمّ تنفيذها، لا سيما ما يتعلق منها بالسكانر على المعبر وفي مرفأ بيروت، وذلك بعد اجراء مناقصة واستدراج عروض لشرائها او تصليحها، ومن ثم مراقبة حسن سير العمل. لكن المشكلة انّ هذه التدابير ستستغرق وقتاً، بينما نحن اليوم على أبواب بدء موسم المحاصيل الزراعية. فقد تمّ التصدير حتى اليوم نصف موسم الحمضيات، فيما موسم البطاطا يشارف على البدء وستليه مواسم الكرز والخوخ والمشمش...

 

وقال: «لبنان غير قادر على تصريف كامل انتاجه. على سبيل المثال ننتج سنوياً حوالى 150 الف طن من التفاح، بينما لبنان لا يستهلك أكثر من 50 الفاً. ما العمل بالكمية المتبقية؟ انتاج الموز 100 الف طن حاجتنا لـ50 الفاً، انتاجنا من البطاطا 300 الف طن نستهلك 100 الف طن فماذا نفعل بالبقية؟ لذا، اذا لم تُحلّ هذه المشكلة مع السعودية فإنّ السوق اللبناني سيغرق بمنتجاته ما سيؤدي الى انخفاض أسعارها بشكل كبير. فكيف يمكن للمزارع الصمود اليوم اذا تراجعت الأسعار بسبب ارتفاع العرض مقابل الطلب؟».

 

وأوضح خليل رداً على سؤال، انّ «الوصول الى الدول الخليجية يتطلب المرور بالسعودية. فما العمل اذا كانت طريق السعودية مقفلة. وهذا ما يفسّر توقف 40 شاحنة في طريقها الى السعودية محمّلة بالمنتجات الزراعية، وليس امامنا اليوم سوى التصدير الى بقية الدول عبر البحر».