اشار ​مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك​ في ​لبنان​ بعد عقده دورةً إستثنائية في الصرح البطريركي في ​بكركي​ ب​رئاسة​ الكاردينال مار بشاره بطرس ​الراعي​، الى انه آلم الآباء ما بلغت اليه حالة المواطنين اللبنانيين من جوعٍ وحرمان وفقر وبطالة، ليس فقط بسبب جائحة ​كورونا​ ولكن على الأخصّ بسبب عدم وجود ​حكومة​ انقاذية فاعلة ومتحرّرة من التدخّل الحزبي والسياسي. وهي حاجة ملحّة لإجراء الإصلاحات و​مكافحة الفساد​، و​تحقيق​ ​التدقيق الجنائي​ عبر قضاء مستقلّ، وإنعاش ​الاقتصاد​ بكل قطاعاته وإعادة ​الحياة​ الى ​القطاع المصرفي​ وتأمين ​أموال المودعين​ وحريّة التصرّف بها.


كما تابع الآباء الأوضاع الاقتصادية والنقدية والمعيشيّة والصّحيّة المتردّية التي يتعرّض لها شعب لبنان بكل فئاته ومناطقه. وجدّدوا التزامهم خدمة المحبّة الاجتماعية بتقديم المساعدات عبر بطريركياتهم وأبرشياتهم ورهبانياتهم ومؤسّساتهم الكنسية، لا سيما رابطة ​كاريتاس لبنان​، والمنظّمات الخيرية مع المحسنين من أبناء الكنائس وبتوفير الحاجات المادية والضرورية للعائلات المعوزة.

ورفع الآباء صوتهم من جديد ليستنكروا تقصير ​الدولة اللبنانية​ في مؤسساتها الرسمية في التعامل مع تداعيات ​انفجار مرفأ بيروت​ الإجراميّ، وقد مرّ عليه أكثر من ثمانية أشهر، أولاً من حيث التباطؤ في التحقيق وكشف الأسباب والفاعلين الحقيقيين وراء هذه الفاجعة ومحاكمتهم. وثانيًا من حيث التعويض على عائلات الشهداء والمصابين والمنكوبين بما يحقّ لهم. كما أسفهم تهاون الدولة في إعادة بناء ​المرفأ​ بكونه من المقومات الاقتصادية للوطن على أسس حديثة تمكّنه من مضاعفة دوره كمرفق اقتصاديّ حيويّ للبلاد.

وستمع الآباء إلى سيادة ​المطران منير خيرالله​ يقدّم ورقة عمل عن ​كنيسة​ لبنان والأوضاع الراهنة بعنوان: "أي دولة نريد للبنان ؟". وجرت مناقشتها من أعضاء المجلس الذين تبنّوا خطة العمل المقترحة في أربع نقاط، حيث اعلن الآباء وقوفهم إلى جانب صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال ​مار بشاره بطرس الراعي​ رئيس المجلس الكلّي الطوبى في تحرّكه الوطني الهادف إلى إنقاذ لبنان بعد استعصاء التوافق السياسي بين المسؤولين وانسداد الأفق أمام إيجاد مخرج للأزمات المتراكمة، وذلك عبر الدعوة إلى إعلان حياد لبنان الناشط والملتزم، وإلى ​مؤتمر​ دولي برعاية ​الأمم المتحدة​ لأنها هي المخوّلة بحكم تأسيسها وقوانينها، بل المُلزَمة، الدفاع عن الشعوب المظلومة والمغلوب على أمرها، وتطبيق القرارات الدولية المتخذة التي لم تُطبَّق.

 

 

ودعا الآباء جميع اللبنانيين، وبخاصة المسؤولين السياسيين منهم، إلى التعالي عن المصالح الشخصية وخدمة المصلحة العامة ومحبة لبنان والتعامل بثقة ومحبة وانفتاح ومسؤولية، وإلى إقامة الحوار في ما بينهم، حوار ​المحبة​ والمصارحة والمغفرة والمصالحة، أي "الحوار الحقيقي الصادق والجريء والشجاع والبنّاء"، كما طلب منهم ​القديس​ ​البابا​ يوحنا بولس الثاني سنة 1997 في إرشاده الرسولي "رجاء جديد للبنان"، وكما يطلب منهم قداسة ​البابا فرنسيس​ في رسالته إلى اللبنانيين في 24/12/2020.

 

 

ولفت الاباء الى ان هذا الحوار بين اللبنانيين بات ضروريًا اليوم، بل ملحًّا، ويفترض عملية تنقية الذاكرة من قبل جميع الأطراف اللبنانيين، أي أن يقوم كل طرف بفحص ضمير عميق وفعل توبة صادق وقراءة نقدية لمسيرته السياسية، فنصل جميعًا إلى الاعتراف بالأخطاء وطلب المغفرة وفتح الطريق أمام المصالحة الشاملة. ولا يكون في هذا الحوار أيُّ مصلحةٍ سوى قيامة لبنان وإعادة بنائه وطنًا رسالة. فيلتقي ​اللبنانيون​ بقلوب صافية ويعملون معًا على بناء دولة القانون، دولة حديثة، دولة مواطنة يتساوى فيها المواطنون ويعيشون معًا في احترام انتماءاتهم الطائفية المتعددة.

 

 

ودعاء الاباء الى ​تأليف​ لجنة مصغّرة من أعضاء المجلس للتواصل مع القوى الحيّة والتغييرية الناشطة في ​المجتمع المدني​، ومع الجماعات الأخرى ​المسيحية​ والإسلامية، بهدف الوصول إلى تشكيل خلّية دراسة وتفكير تهيّء للحوار بين الأطراف كافة برعاية سيد بكركي ومصحوبة بآلية تنفيذية لإجرائه. المخاطر تشتدّ على لبنان مهدِّدةً بتغيير كيانه ونظامه وهوّيته، ومعظم ​الشعب اللبناني​ لم يُعدْ يقوى على تأمين قوت يومه، ومعظم المسؤولين يعملون لغاياتهم الخاصة، والبلد يشهد انقسامات حادّة.

 

 

واعتبر الآباء أنه من واجبهم مواصلة العمل معًا على توظيف إمكانات كنائسهم وأبرشياتهم ورعاياهم ورهبانياتهم ومؤسساتهم في المشروع الوطني الإنقاذي الذي يقوده غبطة البطريرك الراعي رئيس المجلس بأمانة وشجاعة، وقد أعلن صراحةً أنه مصمّم على المضيّ في هذا المسعى حتى النهاية([1]). وقداسة البابا فرنسيس يلتقي معه في هذا الموقف إذ توجّه "مجدَّدًا إلى ​المجتمع الدولي​ قائلاً: فلنساعد لبنان على البقاء خارج الصراعات والتوترات الإقليمية. فلنساعده على الخروج من ​الأزمة​ الحادّة وعلى التعافي "([2]).

 

 

وإطّلع الآباء على البيان المالي للمجلس للعام 2020 الذي قدّمته الأمانة العامة. ووافقوا عليه. ثم أقرّوا ​موازنة​ العام 2021. ثم عمدوا إلى انتخاب رؤساء للّجان الأسقفية التي انتهت ولاية رؤسائها ونوابهم.

 

 

كما انتخبوا الأب جان يونس، المرسل اللبناني، أمينًا عامًا للمدارس الكاثوليكية خلفًا للأب بطرس عازار الراهب الأنطوني الماروني المنتهية ولايته.

 

 

اضاف البيان رجاؤنا كبير أن لبنان سينهض من جديد ليعود وطنًا رسالة في الحرية والديمقراطية والعيش الواحد في احترام التعددية بفضل وحدة شعبه وطاقة شبابه التّواقين إلى بناء دولة حديثة تحقّق طموحاتهم وتحمل رسالة لبنان التاريخية وتستعيد دوره الرائد بين الأمم.

 

 

وكان الراعي افتتح ​الدورة​ ب​الصلاة​، ثم ألقى كلمة رحب فيها بالحاضرين وعرض موضوع الدورة في قسمين. القسم الأول يخصّص لانتخاب رؤساء ​اللجان الأسقفية​ وأمين عام ​المدارس الكاثوليكية​ في لبنان، والقسم الثاني يخصّص للتداول في الأوضاع الراهنة في لبنان. مشدّدًا على أنّ الحياد من هوية لبنان وتابع قائلاً: "بما أن لبنان بات فاقدًا سيادته الداخلية والخارجية" و "باتت القوى السياسية اللبنانية عاجزة عن الجلوس معًا"، "طالبنا بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية منظمة الأمم المتحدة". وأمام تأزّم الواقع الراهن، طالب الآباء بتأليف حكومة إنقاذية قادرة على القرار والعمل".