لقد تمّ المزج العشوائي بين هذين العاملين داخل الطائفة الشيعية منذ أواخر القرن الماضي، بواسطة حركة أمل الصدرية اولاً، ثم استفحل مع الحركة الخمينية، بإقامة علاقة بين الديني والسياسي، من الصعب فكّ لُحمتها وعُراها. فتسلّم رجال الدين النصاب السياسي وأدخلوه  في عقائدهم الدينية، فلم يسلم الدين بمعناه الروحي والمُنزّه والمتعالي من خبائث السياسة،ولم تسلم السياسةُ من ألاعيب بعض رجال الدين وأوهامهم. فقد أوهموا الناس وهم يُرخون لِحاهم، بأنّ القدرة الإلهية هي التي تحكم من خلالهم. لكنّ الواقع كذّب ظنونهم، فهم يستخدمون التكتيكات البشرية والتقنيات السلطوية والمناورات السرّية ذاتها التي يستخدمها أي حزب سياسي علماني. وقد كان المرحوم ياسر عرفات قد ترك لهم إرثا لا ينضب في المجال الأمني، وها هي حركاتهم تحذو حذو الأحزاب  العلمانية تنظيماً وممارسات، إلاّ ان الفارق الأساسي يبقى أنّهم دنّسوا المقدّس بما هو غير مُقدّس، ورفعوا مكائد السياسة وموبقاتها الى مصاف المقدس، كي تُنتهب الأرزاق وتُسفك الدماء، وإلا من أين لهم أن يُصوّروا الدفاع عن نظام استبدادي متهالك في سوريا، بأنّه حقٌ مقدس، ويستحق ان تُسفك من أجله الدماء. ونحن لا نحب ان نحاسبهم على  المهاوي السياسية التي انحدروا إليها، ففي السياسة والإمارة والحُكم خزيُ العالم أجمع، فقد صحّ عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه  القول:بئست الإمارة، ولكن لا بُدّ لكم من أميرٍ برٍّ أو فاجر،بل نُحاسبهم على الإنحراف بالقيمة الأساسية للدين ووظائفه، وحرفها عن مجراها الصحيح، ونقصد بالدين هنا الرّعشة الدينية العالية والمنزّهة، أو"التجربة البشرية لما هو إلهي".هذه الرعشة التي عاشها الأنبياء والأولياء، وكبار المفكرين والعلماء والزُّهاد، والذين هجروا الدنيا في سبيل تجربتهم الروحية، وحِفظ دينهم من الدنيا ومفاتنها،حتى نأى بعضهم بنفسه عن القضاء إمعانا في التجرُّد والسلامة.


 يبقى وللأسف الشديد، انتقال العدوى إلى الطائفة السنّية الكريمة في لبنان، فقد بدأ مرض الخلط الدّلالي بين الدين والسياسة يسري في أوصالها، وحتى أبناء الطائفة المسيحية في التيار العوني لم يسلموا من هذا الداء العضال.