يحرص المتديّنون على إكمال تلاوة ختمة كاملة من نسخة القرآن المتداولة في شهر رمضان، ويحرصون كلّ الحرص على تنظيم أوقاتهم بحيث لا يتركون قراءة جزء كامل في اليوم الواحد من أجل أن يوفّقوا لإتمام جميع الأجزاء في نهاية رمضان!!

 

وحينما تسأل سوادهم عمّا فهموه وانتفعوا به من ذلك تجد أنّ معظمهم لم يفهموا منه شيئاً على الإطلاق غير هذا النّزر اليسير المتعارف، ويقولون لك: إنّ الأصل هو حصولهم على الثّواب العظيم ولو كانت القراءة عبارة عن لقلقة لسان غير مفهومة أيضاً!!

 

وفي الحقيقة: إنّ تلقين النّاس على قراءة القرآن بهذه الصّيغة والطّريقة لا معنى له؛ إذ ما معنى أن يقرأ الإنسان صفحة كاملة ولا يفهم منها غير كلمة أو كلمتين، بل وربّما لا يستطيع أن يقرأها بشكل صحيح أيضاً، وكلّ همّه هو إكمال القراءة كيفما اتّفق؛ ليحصل على ثواب ما يُسمّى بتلاوة القرآن المدّعاة؟!

 

وما معنى أن يحصل الإنسان على ثواب عظيم من خلال قراءة آيات تتحدّث عن القتل والذّبح وقطع الرّقاب والاسترقاق ودفع الإتاوات والّتي لم يثبت بدليل معتبر أنّ قراءتها بنفسها تحمل ذلك؟!

 

وما معنى أن يحصل الإنسان على ثواب جزيل وهو يقرأ مشاكل الرّسول الأُسريّة مع زوجاته التّسع وجواريه ويوميّاته؟!

 

 

من الواضح أنّ هذا الّلون من القراءة لا محصّل له، وها هم المسلمون منذ مئات السّنين يقرأون هذه الآيات دون أن تؤثّر عليهم وتغيّر من بواطنهم وسلوكيّاتهم، بل هو ناشئ من نصوص واستظهارات واجتهادات بعديّة ولدت إثر كتابة وجمع القرآن بعد وفاة قناته الحصريّة الموصلة أو المصدّرة وهي الرّسول، والّتي تمّت بآليّات اجتهاديّة وبدائيّة جدّاً كما ثبت في محلّه، فحسبوا: أنّ كلّ نصّ يحثّ على تلاوة القرآن _ ولو من داخل القرآن نفسه _ إنّما يقصد ويعني ويُشير إلى هذا القرآن المجموع لاحقاً، وبآياته وسوره وعناوينها المتعارفة، وهذا أوّل الكلام كما يقولون.

 

 

والصّحيح في قناعتنا المتواضعة: أن تقتصر في قراءتك على الآيات الّتي تفهمها تلاوةً وفهماً، والّتي تزرع فيك الأخلاق والعبوديّة والتّذكير بالآخرة ويوم الحساب، أمّا ما لا تفهمه _ لأسباب تعود للنصّ نفسه وطريقة جمعه وكتابته _ فأنت غير معني بتلاوته أصلاً، ولن ينفعك لا في الدّنيا ولا الآخرة، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.