كلما جرى «رَتق» العلاقة بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ورئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، أصيبت بـ»تمزّق» سياسي جديد حتى أصبحت أسيرة معادلة متكررة: «الكسر والجبر».

«لا تدقيق جنائياً قبل الحكومة». ما ان صدرت هذه العبارة عن البطريرك الراعي في عظة الاحد الماضي حتى انفجر غضب التيار الوطني الحر الذي شعر بأن هذا الموقف خَذله والرئيس ميشال عون في عز المعركة السياسية التي يخوضانها لإجراء التدقيق وكشف مكامن الهدر والفساد في الدولة بدءاً من مصرف لبنان.

 

لم يتأخر رئيس الجمهورية بدوره في الرد «المشفّر» على البطريرك عبر تغريدة كتب فيها ان الفاسدين يخشون التدقيق الجنائي والابرياء يفرحون له، فيما تولّت بعض شخصيات التيار و»مرابضه» عبر مواقع التواصل الاجتماعي الرد المباشر على كلامه، بعدما كان هناك ميل طيل الفترة الماضية الى عدم الانخراط في اي سجال مباشر مع بكركي، لاقتناع التيار ورئيس الجمهورية بأنّ هناك من يريد استدراجهما الى مثل هذه المواجهة.


 
 

لكن محاولات ضبط النفس لم تعد سهلة، وصار واضحاً أن العلاقة بين الراعي من جهة والفريق البرتقالي ببُعديه الرئاسي والحزبي من جهة أخرى أصبحت شديدة الهشاشة وباتت تفتقر الى المناعة السياسية، تحت وطأة أزمة الثقة المتفاقمة وعدم اطمئنان كل منهما الى النيات المضمرة لدى الآخر، بحيث ان رقعة الخلاف بينهما آخذة في الاتساع.

 

والاكيد انّ القصة ليست فقط قصة تدقيق جنائي بل هي قلوب مليانة تعج بالمآخذ المتبادلة على طريقة مقاربة كل طرف للتحديات المطروحة، بدءاً من تشكيل الحكومة وصولاً الى التدقيق مروراً بالموقف من الرئيس المكلف سعد الحريري والمنظومة السياسية والخيارات الاستراتيجية.

 

يعتبر عون والتيار انّ ما يصدر عن الراعي يشكل تغطية للرئيس سعد الحريري في مقاربته الحكومية، الأمر الذي يدفعه الى مزيد من التصلب في مواجهة رئيس الجمهورية متسلّحاً بالتفهّم البطريركي له. وأبعد من ذلك، أتى ربط التدقيق بتشكيل الحكومة في عظة الأحد الماضي ليكرّس انطباعا موجودا لدى العهد وتياره بأن الراعي يحمي حاكم البنك المركزي رياض سلامة من المحاسبة وعبره مجمل المنظومة السياسية التي تسببت في الانهيار.

 

اما بكركي، فهي تفترض بدورها انّ ما صدر عن سيّدها في شأن التدقيق الجنائي لم يكن سوى ذريعة للتصويب عليها، في حين انّ السبب الحقيقي لانزعاج العهد والتيار يعود إلى مطالبة الراعي بالحياد وعقد مؤتمر دولي وتحرير قرار الشرعية، وفق القريبين من كواليس البطريركية.

 

وينقل احد زوار بكركي عن الراعي استغرابه وأسفه للهجوم الذي تعرّض له بعد عظته الأخيرة، متسائلاً: لماذا يفعلون ذلك، ما المبرر؟ ومؤكداً انّ استهدافه لن يؤثر عليه وهو مستمر في الدفاع عن اقتناعاته وخياراته.

 

ويشعر الراعي بأن هناك تعمّداً في إساءة فهمه، بقصد تشويه آرائه ومراميها، وهو يعتبر ان ما طرحه يندرج في إطار الحض على تشكيل الحكومة وليس على تطيير التدقيق.

 

ويتساءل احد المبشّرين بتوجهات بكركي: اذا قلت لابني انه لن يحصل على وجبة الغداء قبل ان ينجز فروضه المدرسية، فهل يعني ذلك انني أريده ان يموت جوعاً؟


 
 

ويلفت الى انّ الراعي هو الأحرص على اجراء التحقيق الجنائي اليوم قبل الغد في كل مؤسسات الدولة ووزاراتها ومجالسها وصناديقها، «وهذا ما دفعه الى المطالبة بتشكيل الحكومة اولاً، لأن هناك حاجة إلى وجود مرجعية رسمية قادرة على مواكبة أعمال شركة التدقيق ومراقبتها وتلقي تقاريرها. وبالتالي، فإن البطريرك ينطلق من ان ولادة الحكومة هي المعيار والمحك لإثبات جدية خيار الذهاب إلى التدقيق».

 

وينفي المحيطون بالراعي ان يكون قد وضع اي خط أحمر على مساءلة سلامة او غيره من الموظفين والمسؤولين، «وكل ما طلبه هو تعميم التدقيق وعدم حصره بالبنك المركزي، وبالتالي ليست هناك حماية بطريركية لأي كان».