لم يكن الفراغ السياسي المستحكم بالبلد، هو العنصر الوحيد الذي أعطى لظهور يمنى بشير الجميل السياسي والإعلامي، هذا الزخم والتفاعل، بل يعود الفضل في ذلك إلى ما قدّمته من خلال إطلالتيها في بكركي بعد لقائها البطريرك بشارة الراعي، وتأييدها طرح الحياد والمؤتمر الدولي، وعلى شاشة قناة "MTV" من أفكار وطروحات اتسمت بالعمق والرصانة وبالجرأة والابتعاد عن الشعبوية وعدم الانسياق في  مسارات التلاعب بالمصطلحات لكسب الجمهور، بل إنّها تميّزت بالصراحة وتمكّنت من الاحتفاظ باللياقة والصلابة في آن معاً خلال مقاربتها لمسائل حساسة تحتاج إلى الكثير من الخبرة والإحاطة بالأحداث.

 

 

التخلص من ميراث الحرب

كانت مقابلة يمنى بشير الجميل مع الزميلة جيسيكا عازار في برنامج "40 سؤالاً" على شاشة قناة "mtv" (10 نيسان 2021)، بمثابة كشف عن مواقفها وشخصيتها، فلامست أفكار اللبنانيين بما قدّمته من إجابات، فأعطت نموذجاً عرف كيف يفهم بشاعة الحرب، رغم ارتباطها اللّصيق بوالدها الذي شكّل رمزاً مختـَلَفاً عليه، واستطاعت أن تُعبِّر بعمقٍ وطلاقة لافتة، وبخلفية وطنية لا لبس فيها، عن إشكالياتٍ عويصة في تاريخنا المعاصر، بحيث امتلكت الجرأة على إدانة الحرب وعدم الانزلاق إلى تمجيد بعض محطاتها، وخرجت من الأسئلة الأربعين بشكل مُقـْنِع.
من أفضل الإجابات التي أعطتها يمنى قولها إنّها تعتقد أنّ بشير كان ليتجنّب ما جرى من وقائع سيئة لو استطاع، وأنّ كلّ ما جرى في تلك الحرب بشع وما كان يجب أن يحصل، في انعكاس لما تحمله من مفاهيم صقلتها التجربة من خلال انخراطها في العمل الإنساني داخل وخارج لبنان، وهذا جانب له تأثيره الواضح على مسيرتها. بعبارة أخرى، أظهرت يمنى أنّها فعلاً ليست متأثرة بميراث الحرب، وأنّها تعمل على صفحات جديدة لا ترتبط بها إلاّ من باب أخذ العبر لعدم تكرارها.

 

 

الاستقلالية السيادية

بدت يمنى بشير الجميل مستقلّة فعلاً، رغم انتسابها منذ أكثر من 15 سنة إلى حزب الكتائب، فهي رفضت الالتزام بالسياسة الحزبية، وأصرّت على تمسُّكها برؤيتها للأحداث، خاصة عندما كشفت أنّ شقيقها نديم كان قد اتخذ قرار الاستقالة من مجلس النواب، قبل، وبدون انتظار رأي قيادة حزب الكتائب، لأنّه بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت كانت الاستقالة فعل تضامن مع أهل بيروت، الذين تعرفهم يمنى جيداً، ومن الواضح أنّها كانت الداعم الأكبر لقرار نديم الاستقالة احتراماً للضحايا والأهالي واحتجاجاً على وقاحة السلطة التي لا تنتهي.
أبقت يمنى على المسار السيادي العام، عندما دعت بشكل غير مباشر إلى تشكيل تحالف من المستقلين، ومن حزبي القوات اللبنانية والكتائب في الانتخابات النيابية، وفي ذلك رفض منها للمنازعات السائدة وتغليباً لمنطق تأييد الأفكار لا الأشخاص ولا الأحزاب بالمطلق.

 

 

الوجه الانساني وهوية لبنان

وجهٌ آخر ليمنى بشير الجميل، وهو ذلك الوجه الجميل للخدمة الإنسانية، الخدمة الفعلية، وليس الاقتصار على ترؤس مؤسّسة أو إطلاق مبادرة، بل هو ذلك الحضور المباشر في خدمة الضعفاء والمحتاجين، أياماً وليالي، وهو أمر يستحق التقدير والاحترام، ويعكس إرادة العطاء والنضال، والأهمّ هو ذلك الإحساس بالمسؤولية تجاه من يحتاج المساعدة وخاصة أصحاب الإرادة الصلبة، وهذا أمرٌ نفتقده في من يمكن تصنيفهم "أبناء الزعماء" في لبنان.
لعل من أهمّ ما قالته يمنى هو طلبها من الشباب المهاجر أن يُبقي على لبنان في قلبه وعقله، وأن ينهي دراسته في الخارج ويعود لإعمار لبنان بخبراته وطاقاته، ولكلامها هنا أهمية خاصة كونها تثابر على برنامج المنح الجامعية من خلال "مؤسسة بشير الجميل" وتعمل على استمراريتها، وهي بهذا تتحدث بوضوح عن الخطر الذي يستنزف الكيان، ويتمثل في عملية التيئيس المنظمة التي يمارسها الحزب الحاكم وملحقاته، ويسعى فيها لإحداث تغيير ديمغرافي واضح يملؤه بالمستأجَرين الذين يرون لبنان على نمط الولي الفقيه.

 

 

بين الحزب والعائلة

واضح أنّ ثمة مسافة تفصل يمنى عن رئيس حزب الكتائب، على المستوى الشخصي، فهي تلتقي ابن عمها سامي "في المناسبات العائلية فقط، كما أنّها انتهزت فرصة الحضور التلفزيوني لتوجه السؤال الأهمّ ربما بالنسبة إليها، لعمها الرئيس الأسبق أمين الجميل: لماذا لم يُحاكَم حبيب الشرتوني قاتل شقيقه بشير خلال مدة رئاسته؟ وهو سؤال محيِّر يبقى في مجرّد طرحه إدانة مضمرة لهذا الوجه من وجوه حكم الرئيس أمين الجميل.

 

أيقونة عابرة من زمن الحرب إلى مسار السلام


شكّلت يمنى على مدى سنوات أيقونة، بقيت عالقة في تلك الصورة الشهيرة، التي يحملها فيها والدها وهي بعد في أولى شهور حياتها، ومن النادر أن يتقبل الناس الصورة الواقعية لمن رأوها أيقونة في زمنٍ يعتبرونه من أفضل أيامهم وأجمل سنوات نضالهم. لكنّها في إطلالتها على قناة "MTV" ظهرت وكأنّها استطاعت أن تكبر في ظلال صورتها، ولم تغادرها بعيداً، بل هي أكملت في خطوطٍ متوازية مسيرتها، لتخرج بخلاصاتٍ كبيرة، في الحياة والسلام والنضال. فهي لم تُسقط صورة أبيها، بل عبرت بها إلى زماننا لتقوم بما تعتقد أنّ أباها كان سيصل إليه في نهاية المطاف.
أعطت يمنى نظرة صافية لما تراه في شأن لبنان، وفي تحديد العطب الأساس الذي أصاب الوطن: السلاح غير الشرعي وهيمنة الولي الفقيه في إيران على قرار السلم والحرب، وعدم إمكانية التعايش مع هذا السلاح وآثاره المدمِّرة على الحياة الوطنية. لكنها، وبما تحمله من حسن نية، تعتقد أنّ بإمكانها محاورة أمين عام "حزب الله" لإقناعه بضرورة العودة إلى منطق الدولة، وفي هذا مقاربة تحتاج إلى مراجعة، لأنّ جميع محاولات الحوار، كانت تنتهي دائماً بالانقلاب على السياق والنتائج.

 

 

الحوار المسدود والثورة

 

لقد أفشل "حزب الله" طاولات حوار الرئيس نبيه بري، وابتلع أكثر من أربعين جولة حوار مع تيار المستقبل، و"لحس" توقيعها عن إعلان بعبدا، وهو سيبقى يتلاعب بشعار الحوار إلى حين تطبيق مشروع الملالي في طهران.
ما الحلُّ إذاً؟ 

إنّها الثورة يا يمنى. الثورة التي أكّدتِ بأنها آتية لا محالة، لتجرف هذه الطبقة العفنة، ولا تبقي منها أحداً، لتسقط تحالف السلاح والفساد إلى غير رجعة. 
يمنى بشير الجميل: ظهور موفق وواعد، وربما يرى اللبنانيون في ما ستفعلينه في قادمات الأيام، ما كان يفترض أن يصل إليها بشير في مشروع الـ10452 كلم مربع، وما كان يعلنه إنّه يريده للبنان العيش المشترك، وسارعت يد القتل إلى وقفه، خاصة بعد أن تأكّدت توجهاته بالابتعاد عن الخيار الإسرائيلي والاتجاه نحو الخيار الوطني.. وأنتِ تمثلين اليوم جيلاً يريد الخروج من صورة الحرب إلى صورة السلام والحرية والاستقلال