كان الله في عون اللبنانيين طالما أنّ رئيسهم عون ما زال رأس الأمر، ورأس القوم، والرأس هو المثَل، وهو المُقدّم.
 

في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر لم يتعرّض رجلٌ عسكريٌّ أو سياسيٌّ ماروني كما تعرّض له الجنرال عون في سبيل سعيه لرئاسة الجمهورية، ففي الفترة الفاصلة بين انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان(٢٠١٤) واعتلاء عون سدّة الرئاسة الأولى(٢٠١٦)، والتي ناهزت الثلاثين شهراً،تحمّل عون خلالها سيلاً لا ينتهي من الشتائم والإنتقادات الساخرة والمُقذعة في بعض الأحيان، فهذا العسكري الذي عاصر حقبة الرئيس الراحل بشير الجميل، وكان أحد أعوانه ومُناصريه، كما شارك في حروب الجبل كضابطٍ في الجيش اللبناني النظامي وقائدٍ لأحد ألويته، ومن ثمّ تولّى رئاسة حكومة عسكرية انتقالية مهمتها تأمين انتخاب رئيس جمهورية شرعي، إذ به لا يعترف بانتخاب رئيسين شرعيّين، الأول سقط مُخّضباً بدمه(الرئيس رينيه معوض)، والثاني قاد حرباً طاحنة لطرده من قصر بعبدا(الياس الهراوي)، وفي الوقت الضائع شنّ عون حروباً عبثية ودموية لا طائل من ورائها في سبيل فوزه برئاسة الجمهورية، ومن أبرزها حرب الإلغاء ضد القوات اللبنانية، وحرب التحرير ضد القوات السورية.

 

إقرأ أيضا : ديما صادق..ما كانت الحسناءُ ترفع صوتها...

 

 


بعد نفي الجنرال عون إلى فرنسا لمدة خمسة عشر عاماً، وعودته ضافراً في العام ٢٠٠٥، واكتساحه المقاعد النيابية المسيحية في جبل لبنان، ليغدو رقماً صعباً في معادلات السياسة اللبنانية، وبعد الشغور الرئاسي عام ٢٠١٤، لم يترك الجنرال عون مناسبة أو فرصة سانحة إلاّ واستغلّها للفوز برئاسة الجمهورية، ونجحت "مناورات" النائب العوني إبراهيم كنعان مع القائد القواتي ملحم رياشي في "تطويع" موقف الدكتور سمير جعجع لتسهيل وصول الجنرال عون إلى سدة الرئاسة الأولى، في حين تمكّن صهره الوزير جبران باسيل من عقد مهادنة مع أركان الفساد ونهب المال العام حسب اتّهاماتٍ سابقة للتّيار الوطني الحر( سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة)، مهّدت للتّسوية الرئاسية التي يُجمع اللبنانيون اليوم بأنّها كانت تسوية مشؤومة، لم تجُرّ على لبنان سوى الخراب والدمار والإنهيارات الشاملة.

 


يبدو أنّ للَقب "فخامة الرئيس" جرْسٌ لا يعرف حلاوتَهُ إلاّ من ذاقَهُ من ساسة الموارنة، روى إبن قتيبة أنّه شرد بعيرٌ لهبنّقة ( أحد مشاهير الحمقى عند العرب)، واسمه يزيد بن ثروان فقال: من وجدَ بعيري فهو له، فقيل له: وما ينفعك ذلك؟ فقال: إنّكم لا تعرفون حلاوة الوجدان، وقليلون هم من يعرفون بالطبع حلاوة لقب الفخامة.

 


يدّعي فخامة الرئيس اليوم، أنّه لو قنع بوراثة "بستان" جدّه، لكان ذلك أحلى وأجدى من "بقرة"  هزلت وجفّ ضرعها، كان الله في "عون" اللبنانيين طالما أنّ رئيسهم "عون" ما زال رأس الأمر، ورأس القوم، والرأس هو المثَل، وهو المُقدّم.