بعد خطاب السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله الأخير، والذي اعتُبر بمثابة انقلابٍ كاملٍ على مسار تأليف الحكومة الجديدة، وما تضمّنهُ من "شطحاتٍ" دستوريّة، كتفعيل عمل حكومة دياب المستقيلة، أو تعديلات دستورية تضع حدّاً للمأزق الحكومي الواقع اليوم، مع التّهديد والوعيد باتّخاذ إجراءات بديلة وحاسمة يتخذها حزب الله في الوقت المناسب وِفق التعبير المتداول: "وللحديث صلة"، وتلقُّف الوزير السابق جبران باسيل مع الرئيس عون هذه المواقف، واعتبارها مُعاضدة لموقف رئيس الجمهورية بوجه الرئيس سعد الحريري، المُصرّ على عدم إعطاء الثلث المُعطّل للوزير جبران باسيل، وفَشَل آخر محاولة لتأليف حكومة جديدة فشلاً ذريعاً، يُنذر بانعدام أية فرصة لقيام حكومة برئاسة سعد الحريري، وامتعاظ الرئيس نبيه بري من الإنسداد الحكومي المتواصل، وتأييده الظاهر والباطن للرئيس الحريري، ممّا اضطرّه إلى إصدار بيان سياسي باسم كتلته النيابية، يرفض فيها مجمل طروحات حزب الله وسلوكيات ومواقف رئيس الجمهورية، وتعطيل البلد ودفعه نحو المزيد من الإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ممّا رفع منسوب التوتر بين جمهورَي حزب الله وحركة أمل، واستدعى في العجَل اجتماعاً طارئاً سياسيّاً وأمنيّاً بين مُساعِدَي كلٍ من السيد نصرالله والرئيس نبيه بري.

 

 

إقرأ أيضا : السيد نصرالله يُهدّد بوضع اليد على البلد، مع وقف التنفيذ.

 

 


إلى ماذا تؤشّر هذه التطورات الحاسمة والحسّاسة بين طرفي الثنائية الشيعية، هذه الثنائية التي توطّدت بعد حرب تموز عام ٢٠٠٦، واندفاع حزب الله إلى الأمام والإمساك بتلابيب السلطة السياسية والأمنية في البلاد، وتراجع دور الرئيس بري بوضوحٍ تجلّى في معركة وصول الجنرال عون إلى سدة الرئاسة الأولى عام ٢٠١٦، فانفرد حزب الله بتأييد عون حتى النهاية، وفُرضت رئاسة عون على بري الذي ظلّ وحده مُغرّداً خارج "الإجماع" الوطني على عون، إلاّ أنّ حسابات بري كانت هي الصائبة كما أثبتت الأيام والوقائع، بعد الإنهيار الشامل في لبنان بعد المحاصصات الطائفية وتوزيع المغانم بين جبران باسيل وسعد الحريري خلال الأربع سنوات الماضية، ومع أنّ الظروف الإستثنائية الخطيرة التي تحيط بالبلد وتستوجب قيام حكومة إنقاذية بالسرعة الممكنة، فإنّ تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر ما زال يراوح بين التسويف والمماطلة حتى حدود التعطيل، خدمةً لأجندات خارجية وأطماع فئوية وشخصية داخلية لا حدود لها ولا يحكمها منطق، ممّا استدعى على ما يبدو وقفةً جريئة من جانب الرئيس بري وحركته، وقفة تأخرت كثيراً، وها هي بوادرها تلوح، فوقف بري لأول مرة منذ أكثر من عشرسنوات في وجه استئثار السيد نصرالله بالثنائية الشيعية، وتسخيرها لمصالحه ومصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في وقتٍ يهوي البلد بسرعة في مهالك الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية والمعيشية والحياتية التي تعانيها البلاد هذه الأيام.

 


هل يمتلك الرئيس بري قدراً كافياً من الشجاعة والحسّ الوطني للوقوف في وجه "الدُويلة" التي قضمت الدولة اللبنانية واستهلكتها،  ولم تُحلّ محلّها سوى شرعية مبتورة تتباهى بأنّها لن تجوع، وأنّ الدولار الأمريكي يجري في يديها بيُسرٍ وسهولة، في حين تفتقد له خزينة الدولة ومصرفها المركزي.

 


والسؤال الذي يطرح هو: هل ما زال الرئيس نبيه بري زعيماً في هذه الطائفة الشيعية التي ابتُليت بمخازي الثنائية الداعمة للفساد والخراب؟ أم سيضطر إلى التراجع والرضوخ لسطوة السلاح غير الشرعي، ويكون "السحسوح" ما زال سلاحاً ماضياً في يد حزب الله.