كنّا حتى وقتٍ ليس ببعيدٍ من أشد المدافعين عن الدور التنويري الذي يمكن الفضاء العمومي أو الافتراضي أن يلعبه في عملية التغيير المطلوبة لا سيما في مجتمعاتنا المتخلّفة. لكنّا نلاحظ منذ فترةٍ، أنّ هذا الفضاء الافتراضي بات يلعب دورًا سلبيًّا إذ على حلبته تتِمّ معظم المعارك وفيه يتِمُّ تفريغ جميع الانفعالات والاحتجاجات والانتقادات وحتى الشتائم واللعنات والصراخ والمعارضات،... فيأوِي الفَسْبَكيُّ في آخر الليل مرتاحَ الضمير إلى فراشه وكأنّه قد أنجز مهمَّته وقام بواجبه وأدّى قِسطَه من العُلا وفعل ما عليه فعله في عمليّة التغيير المنشودة والمرغوبة من دون أن يُرعِبَ السلطة القائمة. صحيحٌ أنّ المجتمعات تتقدّم ببطءٍ شديدٍ وأنّا علينا استثمار الفضاء العموميّ في عمليّة التغيير. لكنّ الفضاء العمومي قد تحوّل في أحيانٍ كثيرةٍ إلى عائقٍ لا بدّ من التنبّه إليه إذا ما أردنا لعمليّة التغيير أن تُستَكمل. وكلُّنا نتذكّر شرارة ربيع لبنان وهي زيادة ستة سنتات على ضريبة تخابر الوتسآب فنزل الشعب اللبناني بالملايين إلى الساحات. لكنّ أموال الشعب اللبناني قد تبخّرت وسُرِقت. ومع ذلك، لم يحرِّك هذا الشعب نفسُه ساكنًا فتقبّل الإذلال على أبواب المصارف وانضبط أشدّ الانضباط في التعامل مع سارقيه من المصارف والطبقة السياسيّة.


   هل فعلًا وصلنا إلى هنا إذْ نخوض معاركنا الافتراضيّة في الفضاء العموميّ من دون أن نترك أثرًا في الواقع؟

 


   هكذا لم تعد السلطة تأبه لما تشاهده من نقدٍ لاذعٍ لأدائها على وسائل التواصل الاجتماعي ما دام محصورًا فيها. لذا، نرى أنّ السلطة اللبنانيّة ما زالت تدعم أسعار بطاقات تشريج التلفون وأسعار النِّت حتى يتابع الناس معاركهم غير المؤذية والمنضبِطة في الفضاء العموميّ. وهذا ما لا يشكِّل أيّ خطرٍ على السلطة القائمة. ولا ننسَ في هذا المجال تحويل الكثيرين لحساباتهم إلى ساحةٍ للأفراح والأتراح والمناسبات العائليّة وإلى ألبومٍ للصور. ومن بينهم أساتذةٌ في الجامعات. 


   من هنا، علينا إعادة النظر في الدور الذي يمكن أن يلعبه الفضاء العمومي. وعلينا التنبُّه إلى الخطر الذي يمثِّله من خلال ترويض الناس وتدجينهم حتى ينضبطوا ضمن الأُطر التي وضعتها لهم السلطة السياسيّة.