يدرك المصرف المركزي تماماً انّ إنشاء منصة إلكترونية مركزية لا يحلّ أزمة سوق قطع وسعر صرف، لكنه يحاول من خلال هذا المشروع، على ما يرى الخبراء، ضبط السوق واستيعابها وتدوين حركة الأسواق اليومية.

يعدّ مصرف لبنان العدة لبدء العمل على المنصة الالكترونية لعمليات الصرافة والتي ستضمّ كلاً من مصرف لبنان والمصارف ومؤسسات الصرافة، وهو للغاية أعطاهم مهلة للاشتراك في المنصة في مدة أقصاها 16 نيسان المقبل، وأوضح في اعلامٍ اصدره امس توجه فيه الى المصارف انّ الولوج الى هذه المنصة سيتم من خلال تطبيق منشأ على بوابة (Web Portal) مقيدة بعناوين (Ip) تقتضي على كل مصرف تحديد عنوانه الخاص به ليستعمله للدخول الى هذا التطبيق. ولفت الى أنّ مصرف لبنان سيسمح لهذه العناوين (Ip) من دون غيرها، بالوصول الى المنصة المذكورة وسوف يتم عقد دورة تدريبية افتراضية لجميع المصارف تتعلق بالمنصة الالكترونية لعمليات الصرافة. وبالتالي ما الذي سيميز هذه المنصة عن منصة sayrafa ؟ من اين سيتم تأمين الأموال لها؟ وما مدى حظوظها في لجم ارتفاع الدولار في ظل غياب أي توافق سياسي يشفع بالأزمة الاقتصادية؟

 

في السياق، يقول رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ»الجمهورية» انّ الهدف من إنشاء هذه المنصة ان يحصل التداول بالدولار ما بين الصرافين والمصارف لأغراض محددة، فمتى جرى ادراج كل العمليات داخل المنصة سيتمكن مصرف لبنان من رصد حركة الاسواق وتحديد حجمها وحاجاتها ليتمكن من ملاحقة حجم الأسعار.


 
 

وأكد ان المصرف المركزي يدرك تماما ان المنصة لا تحل أزمة سوق قطع وسعر صرف، لكنه يحاول من خلالها ضبط السوق واستيعابها وتدوين حركة الأسواق اليومية، لكن لا بد من التأكيد انه عندما يكون البلد في أزمة (اي الطلب على الدولار أكبر من المعروض) لا يمكن ضبط السوق الا اذا جرى تمويل الفارق ما بينهما. وشدّد على انه لا يمكن القضاء على السوق السوداء اذا تركت المنصة من دون تمويل او أنشئت بتمويل جزئي، فإذا عجزت المنصة والمصارف والصرافين المرخصين عن تأمين الدولار فإنه سيؤمّن من السوق السوداء.

 

وعن مصدر تأمين الدولارات للمنصة خصوصاً ان وزير المالية سبق ان صرّح انها ستؤمّن من أموال المودعين ومن الاحتياطي الالزامي، قال حمود: في هذه الحال يمكن ان تعمل المنصة لاسبوع او اثنين لكن هل من عاقل اليوم يصرف الاحتياطي الالزامي من اجل ان يشتري بعض الافراد الدولار ويخزنوهم في بيوتهم.

 

أضاف: ان التعاطي مع البنوك لن يكون حرا، بمعنى آخر ليس كل من سيطلب الدولار سيحصل عليه، انما سيعطى لمن هو في حاجة اليه مثل المستورد والتاجر شرط ان تتوفر القيمة الاقتصادية او السلعية لمطلبه، مرجّحاً ألا يباع الدولار للافراد لتخزينه. لذا، فإن هذه المنصة لن تلغي السوق السوداء نهائيا لأن الافراد الراغبين في اقتناء الدولار سيقصدونها انما مع عمل المنصة سيتراجع الطلب على الدولار في السوق الموازي، فبدل ان يكون حجمها 5 ملايين دولار يوميا يصبح مليونا.

 

وعن أوجه الاختلاف بين منصة sayrafa التي منذ انطلاقتها تسعّر الدولار بـ 3900 ليرة وهذه المنصة الجديدة، أكد حمود ان الفارق كبير فالتعميم رقم 5 الذي صدر في شهر حزيران من العام 2020 كان واضحا منذ البداية انه لن ينجح لأنه حدد سعرا ثابتا للمنصة بـ 3900 ليرة في حين وصل الدولار في السوق السوداء الى أكثر من 14 الف ليرة، لذا لم يقصدها احد للبيع. وبالتالي لم تتوفر فيها الدولارات للشراء، بينما السعر في هذه المنصة الجديدة سيكون متحركا، يحركه مصرف لبنان يوميا وفقا للعرض والطلب. وأكد ان ضخ مصرف لبنان للدولارات شرط أساسي لنجاح المنصة، وبالتأكيد فإنّ إحجامه عن ذلك سيفشلها. وقدّر حمود ان ضَخ حوالى 100 مليون دولار في الشهر في السوق كفيل بإبقاء سعر الصرف أقل من 10 الاف ليرة، لكن هناك خشية من ان يرتفع الطلب على الدولار الشهر الذي يليه. وأكد ان ضخ هذا المبلغ وحده لن يحل الأزمة انما المطلوب الى جانب الضخ التحكم بالليرة اللبنانية.


 
 

وردا على ما تردّد من ان المصارف ستعيد ادخال الأموال التي كوّنتها لدى المصارف المراسلة الى لبنان لتستعملها على المنصة الجديدة، أوضح: يستحيل ذلك لانهم اذا باعوا الدولار عبر هذه المنصة من اين سيعيدون تأمينه؟ المصارف نفسها لن تقبل بذلك، مشددا على انه لا يحق لأي بنك ان يبيع او يشتري دولاراً ما لم يؤمّنه لئلّا يدخل في مركز القطع، لذا من المتوقع ان يؤمّن المصرف الدولارات من زبائنه، لافتاً الى انّ الزبون الذي يريد تصريف الدولار سيفضّل اعطاءه لمصرفه بدل الصراف او السوق السوداء في حال كان السعر متقارباً او موحداً بينهما.

 

دولار المصارف

من جهة أخرى، استبعد حمود التوجّه الى رفع تسعيرة سحب الدولار من المصارف عن 3900 ليرة المعمول بها حالياً، خصوصاً ان رفع التسعيرة يعني ضخّ المزيد من الليرة في السوق بما سيزيد تلقائياً من الطلب على الدولار. أما وقف السماح بسحب الدولار من المصارف بالليرة اللبنانية فهو بمثابة «ذبح» للمودعين بعدما احتجزت أموالهم في المصارف، لذا من المرجّح الإبقاء عليها بتسعيرة 3900 ليرة المعمول بها راهناً.

 

كذلك دعا حمود الى تخفيف استعمال الليرة الورقية واستبدالها بشيكات وبطاقات ائتمانية، لكن تكمن العقبة الاساسية في انّ التجار وأصحاب المستشفيات والمحطات والمطاعم والجامعات... ما عادوا يقبلون بوسائل الدفع هذه لأنهم يحتاجون الى العملة الورقية لشراء الدولار، لذا المطلوب من المركزي تأمين احتياجات هذه القطاعات من العملة الورقية شرط ان تعاود القبول بالبطاقات المصرفية، على ألّا يخفّض المركزي، في حال اعتماد هذا الحل، سقف السحوبات الشهرية للمودعين إنما يقسّمها ما بين الورقي والبطاقات.

 

وحمّل حمود الطبقة السياسية مسؤولية المشاكل الأساسية في البلد، وهي «مستمرة في جنونها السياسي، وتعمل من دون حكومة، وتصرف بالاستدانة وتواصل ضَخ الليرة من دون ان يقابل ذلك أي حلول وعقلانية».