في بلد محكوم بنظام طائفي متخلف ينتمي الى زمن غابر، والى مرحلة ما قبل الحداثة، والى عصور سابقة لمفهوم الدولة والوطن والمواطن والهوية الوطنية الموحدة، نظام قد حول اللبنانيين الى شعوب وقبائل والى مجموعات يكون فيها الانتماء الى الجماعة الدينية او المذهبية سابقة على انتمائها للوطن.

 

هذا النظام البغيض، قد استغلته مافيا السلطة ايما استغلال، بحيث تحول كل زعيم فيها الى ما يشبه اله قومه يفعل ما يشاء وينهب كيفما يشاء وان بيده المُلك وهو على كل شيء قدير، من دون اي شعور انه معني بتطبيق القوانين والانظمة المرعية الاجراء، فعاث في الارض فساداً من دون خوف او وجل، مختبئاً عند الحاجة خلف الخطوط الحمر المذهبية او خلف وهم الجماعة الدينية التي يدّعي على الدوام الدفاع عن حقوقها ومصالحها زوراً وبهتاناً.

 

في ظل هذه المعادلة الشيطانية، ولد بشكل عفوي عند "الثوار" والمنتفضين على فساد الفاسدين، شعار "كلن يعني كلن"، ليختزن في طياته بعداً وطنياً جامعاً يقول بوضوح اننا لا نفرق بين احد من اللصوص والفاسدين مهما كان اسمه او انتماؤه الطائفي والديني.

 

اريد من هذا الشعار الجامع والضروري "كلن يعني كلن" ان يكون المطرقة التي تتحطم بها كل المتاريس والحواجز التي يلجأ اليها الفاسدون ويحتمون خلفها، وان يكون "كلن يعني كلن" هو الترجمة الفعلية لمعنى ان الفاسد لا دين له ولا مذهب، وان الثائر ضد الفساد والفاسدين لا يعنيه البتة دين هذا الفاسد وطائفته، بل اكثر من ذلك فان الثائر الشيعي مثلاً هو معني بالدرجة الاولى بمحاربة الفاسد الشيعي قبل الفاسدين الآخرين لاي مذهب انتموا وبالحماسة نفسها حتى لا اقول بحماسة اكبر.

 

من هنا تحديداً وبهذا المعنى كانت اهمية وضرورة شعار "كلن يعني كلن" والذي شكل في الايام الاولى رافعة وطنية جامعة، شهدنا مفاعيلها بالتحركات التي عمت كل مناطق لبنان من اقصى قرى عكار شمالاً الى بنت جبيل والنبطية جنوباً، وشعرنا للمرة الاولى منذ زمن طويل ولادة ما يمكن تسميته "بالشعب اللبناني" مقابل زمرة المافيا مجتمعة، وشهدنا انقساماً عفوياً رائعاً لاول مرة بين "شعب" و"فاسدين".

 

اعتقد جازماً، ان هذا الانقسام الجديد هو ما ارعب الى حد كبير مافيا السلطة، لانها تدرك جيداً ان بقاءها واستمرارها وديمومتها رهن ببقاء "الشعب" اللبناني شعوباً وطوائف، وان في اللحظة التي تجتمع فيها مكونات هذا الشعب فان هذا يعني القضاء عليها وبالتالي موتها المحتم.

 

ومن هنا عملت هذه السلطة الملعونة اول ما عملت واجتهدت على ضرب شعار "كلن يعني كلن" من خلال زيادة ضخ السموم الطائفية، وادعاء كل فريق منها ان "الثورة" انما تحمل شعار حق يراد به باطل. قال العونيون لجمهورهم ان هدف الثورة الاول والاخير هو استهداف العهد دون سواه للقضاء على ما انجز من "حقوق" للمسيحيين، و"حزب الله" ضخ لقواعده ان رأس "المقاومة" وسلاح الشيعة هو المستهدف الاول وبتوجيه سفاراتي، ومثله تيار المستقبل، وهكذا باقي زعماء المافيا.

 

ازعم هنا، ان النجاح الذي حققته المنظومة الفاسدة وراعيها الاول "حزب الله"، ما كانت لتحقق هذا النجاح النسبي في تفريغ شعار "كلن يعني كلن" من مضامينه التوحيدية بوصفه موجهاً حصراً نحو الفاسدين لولا سوء استعماله من قبل الثوار انفسهم، بحيث تحول شعار "كلن يعني كلن" عند بعض الرؤوس الحامية في الثورة، وبعض متسلقيها من الثوار الجدد (عن وعي او عن غير وعي)، الى ما يشبه "الحُرم الثوري" فصاروا يسقطونه على من يشاؤون وكيفما يشاؤون، ويدخلون تحته من يريدون بعيداً عن تهمة الفساد، وتحول شعار "كلن يعني كلن" بفضل ركاكة هؤلاء وشخصانيتهم الى ما يشبه عنواناً واسعاً جداً وهذا ما قد ساهم بافقاده معناه الحقيقي وبالتالي افقاده دوره الجامع للثورة، فبعض "الثوار" البسطاء، قد "مغطوا" شعار "كلن يعني كلن" ليدخلوا تحته عن غير وجه حق كل من كان في السلطة بعيداً عن تورطه بملفات فساد "كالقوات والكتائب"، وذهب بعض الثوار الاكثر بساطة لرمي حُرم "كلن يعني كلن" ليسقطوه ليس على الزعامات الفاسدة بل حتى على جماهير الاحزاب، فصار محرّم على اي مواطن ينتمي الى حزب او تنظيم ولو كان يعاني ما يعاني من فساد زعيمه من الدخول الى حضرة الثورة ويُعمل على طرده من واحتها فقط لانه حزبي، وراح آخرون الى اكثر من ذلك وعمدوا الى توسيع دائرة "كلن يعني كلن" لتشمل ايضاً شخصيات كانت محسوبة قديماً على واحدة من الزعامات او كونها عملت في مؤسساته (بولا يعقوبيان) وغيرها،، او حتى شخصيات كان لها تاريخ حزبي معين (بعثية - واصف الحركي)، ووصل الامر بالبعض الى اعتبار "كلن يعني كلن" يشمل حتى الابناء كصالح المشنوق مثلاً او اي صحافي جمعته صورة قديمة مع سياسي معين...

 

ختاماً اقول إن الاداء السيئ في استعمال شعار "كلن يعني كلن" هو الخطر الاول على الثورة، وان الثورة التي تحتاج الى القليل من الحماسة، تحتاج اكثر الى التعقل والبراغماتية، وان خطر المتحمس للثورة كخطر المتربص بها.