نحن نعلم أنّكم تريدون قتلنا وأنّكم قادرون على القتل، وأنّ لوائح تصفيتنا تستريح على مكاتبكم، وأنّ عصاباتكم تتربّص بنا آناء الليل وأطراف النهار لتنقضّ علينا بالكواتم أو المتفجرات، وأنّكم ستشاهدون العملية بالصوت والصورة لتطمئنّوا إلى حسن تنفيذ "المهمة المقدسة" الممهورة بالدماء..

 

نحن نكتب وفي وعينا أنّ هذه قد تكون سطورنا الأخيرة، ونصرّح ونحن نفكّر أنّها قد تكون كلماتنا الأخيرة، ونمشي وقد تكون آخر خطواتنا في هذه الدنيا، فنحن نرى أنفسنا مشاريع شهادة، وأنّنا في كل يوم أمام امتحان البقاء، فلا نعلم إذا أدرنا محرّك السيارة هل ستنفجر ويمزّقـُنا انفجارُها، أم أنـّنا سننجو لنكمل ما كُتب لنا من بقيةٍ في العمر؟ ولا نعلم إذا عُدنا أدراجنا ذات ليلٍ، هل سينتظرنا قاتلٌ منكم ليستهدفنا أمام أعين أهلنا، أم سنعيش إلى غدٍ آخر؟

 

مَن منكم يفتي بهذا القتل؟ من يعطي لنفسه الحقّ في إزهاق أرواح البشر، من هذا الذي يقول اقتلوا لقمان وقبله اقتلوا كلّ هؤلاء الضحايا؟ من هذا الذي يأمر ويتابع عمليات القتل ويحتفل عند التنفيذ وينام مبتهجاً لينال في اليوم التالي الجائزة والتنويه والتكريم على القتل؟

 

نحن نعلم أنّكم وضعتم أنفسكم في موضع المقرِّر للمصائر كما فعل النمرود عندما ظنّ أنّ قدرته على القتل يمكن أن تجعله إلهاً، لكنّ الجميع يعلم كيف انتهت قصّة النمرود، مقتولاً ببعوضة أوهن من العنكبوت.

 

مَن منكم يفتي بهذا القتل؟ من يعطي لنفسه الحقّ في إزهاق أرواح البشر، من هذا الذي يقول اقتلوا لقمان وقبله اقتلوا كلّ هؤلاء الضحايا؟ من هذا الذي يأمر ويتابع عمليات القتل ويحتفل عند التنفيذ وينام مبتهجاً لينال في اليوم التالي الجائزة والتنويه والتكريم على القتل؟

 

نحن نعلم أنّنا بالنسبة إليكم مخلوقاتٍ لا تستحقّ الحياة، وأنّكم تروننا زيادة غير مبرّرة في الوجود البشري، كوننا لا نتناسب مع مواصفات حكم الوليّ الفقيه الذي يريد نخبة صافية من "الأسياد" وأن يكون البقية عبيداً عندهم، تماماً كما هو النموذج في إيران: مجموعة حاكمة متسلطة وشعب منكوب جائع.. وهؤلاء الحكّام يريدون تصدير نموذجهم البائس هذا إلى عالمنا العربي ليصبح مثل إيران بطغيانها واضطهاد شعبها وعدوانها على الناس.

 

 

نحن نعلم أنّكم جبناء لأنّكم لا تقوون على مواجهتنا وجهاً لوجه، بل تلجأون إلى الغدر والغيلة بعد حملات التخوين والتشويه، ونعلم أنّكم تعلمون، أنّنا لا نسير على الخطوط الأميركية ولا الصهيونية، ولو كنّا كذلك لما تجرّأتم علينا، فأنتم تبذلون الغالي والنفيس للجلوس والاتفاق مع الأميركيين، لعل الزمان يجود لكم بمثل أوباما. وأنتم تراعون العملاء إلى درجة الحماية والرعاية وتأمين خدمات السفر، وتذكرون طبعاً العميل خمس نجوم فايز كرم، والعميل عامر الفاخوري.. لكنّ مشكلتكم معنا اليوم هي أنّ المطالبة بالدولة وبسلاحها الشرعي وبالحفاظ على لبنان بهويته العربية الحضارية التعدّدية، يساوي عندكم إعلان الحرب ويستوجب هدر الدماء.

 

 

 

نحن نعلم أنّكم تريدون استئصالنا لأنّنا ما زلنا ننادي بقيام الدولة وبأنّنا نريد كفّ سلاحكم عنّا لا قتلَكم، وبأنّنا نريد القضاء على دويلتكم الهدّامة لا القضاء عليكم، لنكون مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، بلا تمييز ولا استقواء، لا بسلاح ولا بخارج، وأنتم ما عدتم تتحمّلون من يأتي على ذكر الدولة والدستور والقانون، لأنّها نقيض وجودكم وبقيامها تفقدون مبرِّر استمراركم في التسلّط والهيمنة والظلم.

 

نحن نعلم أنّكم تريدون قتلنا لأنّ منطقنا ينتصر وعنجهيتَكم تسقط، فتعجزون عن الحوار وتلجأون إلى السلاح، في كلّ مرّة ينعقد فيها الحوار، فتلحسون توقيعكم كما حصل بعد إعلان بعبدا، وتنقلبون بالسلاح وبالقمصان السوداء، وبعد أن قتلتم رفيق الحريري والقادة السياسيين الذين قاوموكم، لم يبق أمامكم سوى نحن: أهل الفكر والقلم والرأي والناشطون، الذين ما زالوا متمسّكين بالنضال حتّى لا يسقط لبنان في جهنمكم ولا في قبضة جنونكم.

 

 

نحن نعلم أنّكم تريدون استئصالنا لأنّنا ما زلنا ننادي بقيام الدولة وبأنّنا نريد كفّ سلاحكم عنّا لا قتلَكم، وبأنّنا نريد القضاء على دويلتكم الهدّامة لا القضاء عليكم، لنكون مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات

 

 

نحن نعلم كلّ هذا، ونعلن الآن أنّنا نعلم ليس لأنّنا نملك معلوماتٍ أمنية، بل لأنّنا أصبحنا نعرف كيف تفكّرون وكيف تمكرون وكيف تقرّرون، فبعد كلّ ما تعرّضنا له من قتل آن لنا أن نعرف كيف يتصرّف هذا القاتلُ الجماعيُّ المتسلسل الذي يريد من الضحايا شكرَه وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة ويريد من ذويهم أن يمتدحونه وهم يهيلون التراب على أحبتهم..

 

 

نحن نقول لكم بأنّنا نعلم، ليس لنعبّر لكم عن خوفنا منكم أو هلعنا أو يأسنا أو اضطرابنا، بل لنقول لكم: إنّنا نضع نُصْبَ أعيننا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "..فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا، أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".

هكذا. لن نخاف إرهابكم ولن نسكت على ارتكاباتكم، ولن تخيفنا ترسانتكم ولا تجنيدكم للأنذال من بني جلدتنا يحاصروننا بالترصّد والمكائد، بعد أن ارتضَوا لأنفسهم المهانة مقابل قشورٍ ترمونها إليهم، فيزدادون عليها إدماناً وسقوطاً في أوحال الارتهان.

 

 

نحن نعلم أنّ الدولة لن تحمينا منكم، فقد أصبحت رهينـَتكم، وأصبحت أجهزةُ أمنها تحت قبضتكم، وقضاؤُها يحكم معظمه تسلُّطُكم، وقدَرُنا آتٍ من الله تعالى وليس منكم، فأنتم لستم قدراً ومقاومتـُكم واجبٌ شرعي وأخلاقي وإنساني.

نعلم أنـّنا نحن البقية الباقية القابضين على جمر مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا، وأنـّكم تظنـّون أنـّكم غالبون.. لكنّ الأيام دول وطريقـُنا المحفوف بالأشواك والمخاطر هو طريق كلّ من أرادوا الحفاظ على حقوقهم وأوطانهم ومستقبل أجيالهم. وإذا كنتم مستعدّين للقتل في سبيل باطلكم، فنحن لن نخاف الموت في سبيل حقنا..

 

رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ.

 

اساس ميديا