نقول لرسائل الكراهية وللاشاعات والمؤامرات ... كفى، إنه عراق جديد، ممكن. يبزغ من الرماد
 

يطلق العديد من المؤامراتيين المؤدلجين و المنزعجين من زيارة البابا فرنسيس بالونات  لبث الرعب من تأسيس دين ابراهيمي جديد او إشاعات مغرضة تربط الزيارة التاريخية بالتطبيع مع اسرائيل.  

جميع  رسائل الكراهية هذه، تحاول التغطية على أهمية الزيارة  والامكانيات التي تنطوي عليها في أنقاذ العراق، او تقديم "عراق أخر ممكن".

 

يمكن لهولاء الذين يطلقون نظريات المؤامرة ان يزوروا تمثال يوحنا بولس الثاني في باريس. تستحق قاعدة التمثال البابوي نظرة فاحصة. قد يُتوقع اسم البابا وتواريخه على المقدمة بالإضافة إلى الاقتباس الشهير من أول خطاب بابوي له حول الجرأة والانفتاح على الله في الخلف ، لكن الاقتباسات على الجانب الأيسر والأيمن من قاعدة التمثال تبدو أشبه ببرنامج سياسي مأخوذ من خطاب السنة الجديدة 2003 للسلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي أثناء التحضير لغزو العراق الذي عارضه البابا ، الاقتباس ، هناك بالفرنسية وترجمته بالعربية ، يقول: "لا للحرب"! الحرب ليست دائما حتمية. إنها دائمًا هزيمة للإنسانية ".  الاقتباس الآخر هو شعار رسالة السلام السنوية في كانون الثاني  2002 ، بعد أشهر من أحداث 11 أيلول  وبعد فترة وجيزة من الحملة الأولى  لغزو أفغانستان:" لا سلام من دون عدالة - لا عدالة بلا غفران ”.

 

في عام 2003  استخدم البابا يوحنا بولس الثاني كل الوسائل الممكنة لتجَّنُب الغزو الأنكلو أميركي للعراق، مُعبراً عن قلق العالم ازاء هذه الحرب . لقد كررَّ وبدون كلل او ملل بأن السلام كان  واجباً و مُمكناً، رفع صوته بالعبارة التي تتضمن الثلاثي الشهير " لا ....أبداً.... للحرب" التي حفرت أخدوداً عميقاً بين الغرب و درب التَّبانة المسلم. 

 

 

كان موقف الكرسي الرسولي بكلمة "لا" للحرب حازمة. و في رفضهِ للحرب ُقدِّم نفسه كوسيط لحماية العراقيين، مسلمين و مسيحيين  وأيزيدين وكاكائيين وبهائيين وزرادشتيين الخ. وكان إلتزامه هذا تضامناً من أجل المحافظة على الوجود المسيحي في العراق حيثُ بداية المسيحية وانتشارها.

 

 

قال البابا بندكتوس السادس عشرعند استلامه كُتب الإعتماد الرسمية لسفير العراق لدى دولة الفاتيكان، " يمكنُكم أن تكونوا واثقين بأنَّ الكرسي الرسولي أخذ دائماً بعين الأعتبار و بتقدير كبير العلاقات الدبلوماسية الممتازة مع العراق، و سَيستمر في جهوده لتقديم المساعدة الممكنة ليستطيع العراق الحصول على المكانة المنافسة كدولة قيادية في المنطقة و المساهمة في المنظمات الدولية". 

 

 

لقد عبّرَ البابا بندكتوس السادس عشر في حواره مع السفير العراقي أيضاً عن أهمية تقييم المسيحييين في العراق مؤكداً بأنه: " منذُ بدايات الكنيسة في بلاد ما بين النهرين والمسيحيون حاضرون في أرض إبراهيم [....]. هو تَّمنٍ بأنَّ يرسم التعايش السلمي بين العراقيين  صورة مستقبل المجتمع العراقي، وتكون هذه الصفات ضمن طموحات كل الذين لديهم جذور في إيمان إبراهيم". إنَّ حماية المسيحيين العراقيين هي جزء من حماية كل جماعة  أثنية  و دينية و يتوافق هذا مع حماية العراق من الإنقسامات و الحرب الأهلية. إنَّ الكرسي الرسولي مستمر بالعمل لحين بقاء المسيحيين  في أرضهم التي هي ارثهم و يعيشون ملء الحرية الدينية لإيمانهم و مُتمنياً كذلك للذين كانو مضطرين للهجرة أنْ يتمكنوا من العودة عن قريب وأنْ يجدوا من العراق بلدهم مكاناً آمناً حيث يمكنهم أن يسترجعوا نشاطاتهم و فعَّالياتهم. 

 

 

هذا التأكيد كان في صُلب ما جاءَ في مجمع اساقفة الشرق الأوسط في عام 2010 و أيضاً في مجمع عام 2012.    

 

 

زبارة البابا فرنسيس تكشف ثلاثة ميزات في الشخصية الحبرية الأعظم : إنه رجل دولة هي الفاتيكان سيلتقي بالسياسيين على اختلاف ايديولوجياتهم وتوجهاتهم الحزبية، ورجل سلام يقيم صلاة أسيزي في أور تجمع ممثلي الطوائف الدينية، ورأس الكنيسة الكاثوليكية الذي يضع يده على رؤوس المسيحيين العراقيين المتعبين من دوامات العنف واللاأستقرار. 

 

تتكشف بين هذه الميزات صورة عراق أخر ممكن.

 

نقول لرسائل الكراهية وللاشاعات والمؤامرات ... كفى 

 

 إنه عراق جديد، ممكن. يبزغ من الرماد

 

نريده، ونحبه، ويجب الدفاع عنه

 

د. سعد سلوم