هي سلطة، تتآكلها جراثيم الفساد السياسي والإجتماعي والأخلاقي والمذهبي والطائفي، وكلما حاولنا أن نشخِّص ما يجري في بلدنا الضريح المقبور، لا نرى إلاَّ فساداً وخراباً اجتماعياً وسياسياً، وهذا مبنيٌ على الخراب المذهبي الطائفي البغيض. لمن الشكوى..؟
 

 

كيف يمكن لإنسانٍ يملك قلباً ولا يذرف دمعاً، عندما يعيش في بلدٍ يتدحرج إلى الهاوية. وكيف يكون صادقاً مع نفسه وضميره ودينه ووجدانه، ويقبل ما يحدث لوطنه وشعبه من إنهيارٍ شامل، ودمارٍ قاتل، على جميع الأصعدة.

 

 وكيف لنا أن نقبل صاغرون، عمَّا يجري لنا وما حلَّ بنا.ونعيش تحت سيطرة الدجل والكذب، أصبحنا نصدِّق كلَّ الخُزعبلات والأكاذيب، نشتم بعضنا بعضاً بلا رادع وبلا حدود، ناسيين حديث المعصوم (ع): ـ لا تبدي الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويُحلها بك ـ  نستخف ببعضنا البعض، نلعن بعضنا لعناً، ناسيين ومتناسين قول الأنبياء والأوصياء والأئمة (ع): ـ أخوك دينك فاحتط لدينك ـ أعظم الناس خطايا يوم القيامة، أكثرهم خوضاً في الباطل ـ  ونتقن فنون الإتهامات يميناً وشمالاً، بلا خوف من الله، وبلا ورعٍ ودينٍ وتقوى، ناسيين قول الله تعالى: ـ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ـ ومتناسين قول المعصوم (ع): ـ أمرٌ بيِّنٌ رشده، فاتبعه. وأمرٌ بيِّنٌ غيُّهُ، فاجتنبه. وأمرٌ بين أمرين، فأرجئه، حتى تلقى أمامك، أو حجتك ـ لا تكونوا عجلى مذاييع، فشراركم هم المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، المتبعون للبرَّاء المعايب ـ أيَّما رجل أشاع على رجل كلمة، وهو منها بريء ليشينه بها في الدنيا، كان حقاً على الله: أن يدينه بها يوم القيامة في النار ـ  نتعامل بالخداع، والنفاق، والمصالح الشخصانية، حتى أصبحنا حاكمين ومحكومين، وحوَّلنا الوطن إلى كذبة، خدعة، لا وجود له إلاَّ في ملعب السلطة المستغلَّة لأوجاعنا، وفقرنا، وكرامتنا.

 

 

 تلك السلطة الزعامتية، التي خنقتنا، وخنقت البلد، بشعارات ـ العدالة ـ الكرامة ـ العيش الكريم ـ تحت غطاء الدجل. تلك السلطة الزعامتية، تذرف دموع تماسيح الفساد، وتبكي على الشعب الذي قرَّر الهجرة إلى بلاد الكفر، ليحمي نفسه، ويشعر بإنسانيته، لا هوام أرض في وطنه، كأنهم لا يعلمون بأن أغلبية الشعب اللبناني، قرَّر الهروب منهم، ومن غشهم، وغطرستهم، وكذبهم، ورقصهم على الجراح. تتصرَّف السلطة الزعامتية، كأن الوطن إرثٌ لهم، ولأولادهم، وأحفادهم، وأصهرتهم، وذريتهم، وذراريهم، فهي سلطة المهزلة واللعب، فلا تهدأ، إلاَّ بالركوب، وبتأمين مصالحها، ولو على ظهر المطايا ـ من بعد حماري ما ينبت حشيش ـ هي سلطة، تتآكلها جراثيم الفساد السياسي والإجتماعي والأخلاقي والمذهبي والطائفي، وكلما حاولنا أن نشخِّص ما يجري في بلدنا الضريح المقبور، لا نرى إلاَّ فساداً وخراباً اجتماعياً وسياسياً، وهذا مبنيٌ على الخراب المذهبي الطائفي البغيض.

 


لمن الشكوى..؟ لمن نشكو..؟ هل نذهب إلى رجال الدين في كنائسهم ومعابدهم ومساجدهم، أم في أبراجهم ومكاتبهم وشققهم الطويلة الفاخرة، ومسابحهم العامرة، المحمية من البطالة والديون، ولا يعرفون وجعاً ولا همَّاً ولا غمَّاً، وتراهم يسمحون لأنفسهم أن يعيِّروا المحتاج والمحروم بصرخته ووجعه.! هؤلاء الموظَّفون الفرِّيسيٌّون، يبيعوننا ويبتاعوننا، ويتقنون فن التجارة، مع الذات الإلهية، ومع الذات الإنسانية.

 

 

 لا الشيخ ولا المفتي ولا الخوري ولا الراهب، يملكون مفتاح جنة الله، ولا هم الناطقون الرسميون باسم الذات الإلهية، ولا هم بموزعي صكوك الغفران والتوبة، بل كل واحدٍ منهم، هو من يحتاج إلى وساطة للعبور إلى جنة الله، وإلى دعوة مظلومٍ فقيرٍ قد سُلب حقه وتعبه وماله ورزقه..

 


تلك السلطة التي أوقفت البلد، وقطَّعت الأوصال، وقصفت ظهر الشعب، بضرباتٍ تلو الضربات المتواصلة، وأوصلت البلد والشعب إلى اليأس والجوع والموت من أية بارقة أمل إقتصادية واجتماعية، ولن يهدأ لها بال، حتى ترهن هذا البلد بشعبه، وبكل مؤسساته، إلى غرباء صنعوها، لتهجِّر ما تبقَّى لدى هذا الشعب، من عزة نفس، بعد أن أثقلته وأهلكته، حتى لا يبقى من هذا الشعب، قادر على الدفاع عن حقه، وعن لقمة عيشه، وعن حياته، وعمَّا يسمَّى بلداً ووطناً، بعدما حولتموه إلى مزرعة لكم، ولذريتكم، وذراريكم، وما فيها من ماء، بين الصلب والترائب. ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.