على ضوء أزمة التشكيل الحكومي ما بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية والتراجع الواضح عن تحديد الجهات المسؤولة عن تفجير المرفأ وتدهور الأوضاع المعيشية والأمنية من سيء الى أسوأ كلها عناصر دفعت ببكركي الى إعلان الطلاق مع الرئاسة ومع الأطراف السياسية الممسكة بالقرار السياسي من خلال خطاب التدويل.
 

أعاد المجمع الفاتيكاني العالمي الثاني رسمياَ تحديد تعريف الكنيسة الكاثوليكية لنفسها في ما يدعى بتجديد الستينيات الكاثوليكي والذي يعتبرالشخصيات الجماعية الفاعلة ، أي الأساقفة الذين يمثلون كنيسة جامعة في حالة الكنيسة الهرمية الأسقفية ، قد أعادوا علناً تحديد هويتهم ككنيسة .


 وتمثلت أهم نتائج إعادة التعريف في تحول الكنيسة الكاثوليكية من كنيسة تتمحور حول الدولة الى مؤسسة تتمحور حول المجتمع .

 

تبدو مقاربة خطوة بكركي مؤخراً من رؤية كنسية أقرب منها للدخول في الجدل الذي أحدثه خطاب التدويل لراعي بكركي وما أثاره من مواقف مسففة أو مؤيدة وبطرق وأدوات غير ديمقراطية وغير حضارية وهي أقل من بدوية وهذا ما جعل من لبنان أسير ثقافة جماهيرية شوارعية تسب الخصوم وتلعنهم وتشتمهم وتخونهم وتكفرهم وتدّعي عزّة لم تناصره وتنصره من زعيم هنا و زعيم هناك وهذا ديدن جميع المكونات الطائفية والشبكات الإجتماعية والأطر السياسية دون إستثناء .

 

 

من هنا جعل صورة بكركي الأخيرة في إطار الدعوة الكنسية الكاثوليكة بعدم التمحور حول الدولة، وضرورة التمحور حول المجتمع.  أكثر وضوحاً  لتطور مواقف الكنيسة المارونية. وهذا ما أعاد للبطريركية المارونية دورها المفقود مع العهد الجديد عندما التفّت حول الدولة من موقع الرئاسة الأولى ومفترقة في ذلك مع المرحلة التي قطعها البطرك صفير الذي أسّس لكنيسة مجتمع من خلال نضاله ضدّ بنية الدولة كسلطة فاسدة وفي هذا خوض مع خلاف جدي مع مسار الكنيسة المارونية الموالية للدولة .

 

 

إقرأ أيضا : تامر أمين يهدّ صعيد مصر

 

 

اذاً بدأ البطرك الراعي أولى مراحل تسلمه لرأس الهرم في كنيسة معنية مباشرة بالسياسة باتباع التقليد الماروني المجانب للدولة وهذا ما جعل من الراعي بلا رعية كما ذكرنا في مقالة سابقة باعتبار أن العهد لم يكن مسيحياً- كما أنه لم يكن و طنياً -  ولا (حزبياً ) بل عائلياً وهذا ما أدّى الى اتساع دائرة الموقف من دور الرئاسة في ظل خصومات مسيحية متعددة الوجوه والمصالح وجاءت الأزمات المتعددة وخاصة ملفات الفساد واتضح أن تيار الإصلاح والتغيير بلا إصلاح وبلا تغيير.إضافة الى فشل الحكومات التي يلعب فيها التيار الدور الأبرز فيها مع أضرار كل من فيروس كورونا ، والعقوبات الأميركية، وانكشاف لبنان مالياً في أزمة أفقرت اللبنانيين وأبقت السياسيين أغنياءً، وجاءت الثورة في أكثريتها تعبيراً مسيحياً هادراً ضدّ السلطة الفاسدة الأمر الذي فرض على الكنيسة المارونية ملاقاة الشارع المسيحي والتخلي عن حماية الدولة كبنية سياسية فكانت مواقف البطرك الراعي المؤيدة لحركة الشارع ، وقد تجاوز التأييد الى سلسلة مواقف لها علاقة بملفات خلافية بين اللبنانين من الفساد الى السلاح وحياد لبنان وهذا ما تطور فيما بعد وعلى ضوء أزمة التشكيل الحكومي ما بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية والتراجع الواضح عن تحديد الجهات المسؤولة عن تفجير المرفأ وتدهور الأوضاع المعيشية والأمنية من سيء الى أسوأ كلها عناصر دفعت ببكركي الى إعلان الطلاق مع الرئاسة ومع الأطراف السياسية الممسكة بالقرار السياسي من خلال خطاب التدويل في ظل دعوة شعبية أحاطت بكركي وراعيها بالقوّة التي كانت تتمتع بها بكركي تاريخياً لأن التدويل يعني يشكل واضح عجز العهد عن تحمل المسؤولية ويضع المحور الذي بيده مقاليد الحكم و السلطة بوجه المجتمع الدولي أي أن التدويل دعوة تشير الى قصور اللبنانيين عن حل مشاكلهم وعدم قدرتهم على التفاهم وهذا ما أسقط المؤسسات وأفقر المجتمع وما بيد اللبنانيين من حيلة للخلاص سوى وضع ما تبقى من بيض لهم في سلّة المجتمع الدولي.