لا تترك هذه الطبقة السياسية الفاسدة فرصة تفوتها دون تعميق جراح اللبنانيين وزيادة مآسيهم، فبعد الإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وبعد تناحر قطبَي المحاصصة ( رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المُكلّف) الذي يُعطّل تأليف حكومة جديدة منذ أكثر من أربعة أشهر، وبعد الإنفجار "النووي" في مرفأ بيروت الذي دمّر نصف العاصمة بيروت، وأوقع مئات الضحايا وآلاف المصابين، وعشرات آلاف المشردين من بيوتهم وأعمالهم، أكملت هذه الطبقة السياسية الفاسدة فضائلها على اللبنانيين بالتّدخل السافر في شؤون القضاء اللبناني، فبعد تجميد التشكيلات القضائية المنجزة منذ أكثر من ستة أشهر، ورميها في سلّة المهملات في القصر الجمهوري، وإرباك التحقيقات بجريمة المرفأ وتعطيلها بحُجج الحصانات النيابية والوزارية والرئاسية الموضوعة في الأساس لحماية المجرمين والفاسدين والمُرتكبين، وها هم بالأمس يُعطّلونها ويُعرقلونها بكفّ يد المحقق العدلي القاضي فادي صوان، الذي كان قد بدأ يتقدّم في ملف الإنفجار المُروّع باستدعاء قيادات أمنية لمواجهتهم مع بعض القادة الأمنيّين الموقوفين، وطلب استدعاء بعض رجال الأعمال السوريين لشبهة علاقاتٍ لهم باستقدام نيترات الأمونيوم وتفريغها في مرفأ بيروت وتخزينها، ومن ثمّ تهريبها

 

إقرأ أيضا : خطاب نصرالله..ضدّ التدويل.. لا حكومة.. المحافظة على الإنهيار.

 

 

واستعمالها، فتُفاجئه محكمة التمييز الجزائية باتّخاذها قراراً بكفّ يده، ونقل الملف ووضعه في يد قاضٍ آخر، استجابةً لطلب كفّ يده للإرتياب "المشروع" من قِبل الوزيرين السابقين غازي زعيتر وعلي حسن خليل( وأحدهما مُعاقب أميركياً بتُهم الفساد وهدر المال العام)، وهذا ممّا يزيد أمور التّحقيق مأساوية وتعقيداً، إذ عادت الأمور إلى ما يقرب من نقطة الصفر، هذا فضلاً عن أنّ تعيين مُحقّق عدلي جديد سيدخل حتماً في متاهات التلاعب السياسي وموبقاته، كما حصل بالأمس في محكمة التمييز الجزائية، أمّا بالنسبة للوزيرين اللذين طلبا تنحية القاضي فادي صوان بتهمة الإرتياب المشروع، فيحُقّ لهما اليوم أن يُعلنا انتصارهما على القاضي صوان وعلى العدالة، واستخفافهما بآلام المفجوعين، وربما بالتّوجّه لصوّان بالقول: سبق أن حذّنراك وقلنا لك: "الله لا يخلّينا إذا خلّيناك في مركزك"، وهذه عبارة غالباً ما تتردّد في الدراما السورية عندما يحاول أحد المسؤولين "الشرفاء" أن يتمرّد على إرادة النافذين، وعدم تنفيذ طلباتهم، فيُهدّد ويُتوعّد بهذه العبارة، وغالباً ما يُنفّذ التهديد والوعيد فوراً ليجد المسؤول "الشريف" الذي توهّم أنّه قادرٌ على تطبيق العدالة واحترام  الإجراءات القانونية، نفسه في الشارع بلا نصيرٍ ولا ظهير.