طانط منال

تحية طيّبة وقبل،

 

قبل كل شيء، لا بدّ أن نعترف بالفارق الشاسع بين عالم المال والاقتصاد، الذي أنت حضرتك متخصّصة فيه، وبين عالم الصحافة الذي أنت حضرتك بعيدة عنه، وتجهلينه، وربما تكرهينه وتبغضيه... الله أعلم.

 

لكن حبّ المناصب والكراسي في لبنان أوصلك، مثل كثيرين غيرك، وأمسكك كما غيرك حقائب وزارية تفرحون بلون جلدها وتتغنّون باسمها وماركتها، لكنكم للأسف لا تملكون أدنى فكرة عمّا في داخلها، ولا تعرفون قيمتها ولا تقدّرون مهمّتها ودورها.


 
 

والحديث الآن ليس عن فشل وزارة الإعلام في حماية الإعلاميين والصحافيين والناشطين وأصحاب الرأي الحرّ في صَدّ الحملات الميليشوية التي تستسهِل مهاجمة هذا الجسم الذي لا يمتلك سلاحاً غير الكلمة. ولا الحديث عن تنظيم العمل الإعلامي، والعمل النقابي، وحماية الأقلام الحرّة، وتنشيط أو دعم هذا القطاع الذي يتألّم من كثرة الإهمال، وخصوصاً في ظلّ حكومة دياب المكلّفة، ومن ثمّ الممنوعة من الإعراب.


 

وإنما نودّ التطرّق إلى وصفاتك الطبيّة في زمن كورونا، وخوفك المتناقض والمخيب للآمال على صحّة الجهاز الإعلامي في لبنان. فقبل وصول اللقاح كنت «تنتّفين» صفحات مواقع التواصل الإجتماعي من أجل منح الأولوية للإعلاميين في الحصول على اللقاح، ولم تتركِ مقابلة إلّا وذرفتِ فيها دموع الحنان عليهم. ولمّا وصل اللقاح إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، ولمّا علمتِ بتحضير حفلة فولكلورية للاحتفاء بوصول 28000 لقاح إلى لبنان على وَقع صوت الطبل والمزمار، ركضتِ من دون دعوة إلى المطار و»مسكْتِ عالدبكة» مع أولئك الذين حاولوا التعتيم على فشلهم الذريع ببعض الشعر والميجانا بهذا «الانجاز» الذي يشبه هكذا حكومات ... وسرعان ما حَكّمتِ عقلك ووضعتِ حنانك جانباً، فغيّرتِ وصفتك الطبيّة وأعلنتِ بعد الاطلاع على صور الرنين المغناطيسي وتحاليل دم الجهاز الإعلامي، قرّرتِ أنه ليس بحاجة حالياً إلى تلقّي اللقاح ويمكنه الانتظار للمرحلة الثانية.

 

يا مدام عبد الصمد، أنت متخصّصة وتعرفين أن واحداً زائد واحد يساوي إعلامية أو إعلامي متواجِد طوال النهار في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء، سواء في نقل صورتكم «ملقّحين» وهم واقفون، أو لمواكبة المظاهرات الشعبية المكتظّة بسبب سياساتكم الناجحة، أو لنقل خبر سرقة أو قتل بسبب الرفاهية التي مَنحتموها للشعب اللبناني، أو للتواجد في المستشفيات التي تمتلك فائضاً من الأسرّة الفارغة، أو على أبواب غرف الطوارئ لتصوير استقبال المرضى بالورود ومن دون فرض مبالغ طائلة عليهم... يعني بعملية حسابية صغيرة «بلا معَلّميّة»، يتبيّن أنّ هؤلاء فعلاً في الصفوف الأمامية، ويشهد على ذلك إصابة غالبيتهم بفيروس كورونا خلال الفترة الماضية، ليس بسبب سهراتهم ومشاوير استجمامهم، بل لأنهم أكثر أشخاص معرّضين بعد الطاقم الطبّي.

 

ومع الخطر الصحّي الذي يتعرّض له الجهاز الإعلامي، هذا الذي لا يَهاب الرصاص المطّاطي والقنابل المسيّلة للدموع وخراطيم المياه وتهديدات الزعران، بادرَ كثير من الإعلاميين والإعلاميات بِكَرم أخلاقهم ومهنيتهم وإنسانيتهم إلى منح دورهم في اللقاح إلى المسنّين والطاقم الطبي والإسعاف... وأثبتوا مرة أخرى أنّ الأولوية بالنسبة إليهم هي المخاطر والتحديّات والمرض، وأنّ سلامتهم تأتي بعد سلامة أولئك الذين يتابعونهم قراءة ومشاهدة وسمعاً.


 
 

والجسم الإعلامي في لبنان، الذي لم ينتظر من وزيرة «تكنوقراط» أن تستردّ له مستحقاته المالية المسلوبة، أو حقوقه الاجتماعية والمهنية والنقابية المنهوبة، أو عرق جبينه الذي لا تكفي أوراق مرتّبه النقدية لِتمسَحه خلال الشهر، لن ينتظر الوزيرة لتصرّف له أعماله الميدانية والمهنية والإنسانية... فهو قبل الجميع يعرف كيف يكون مواطناً قبل أي شيء آخر، وإحساسه الدائم بالمسؤولية لا يحتاج إلى إحساس مسؤول عابر.

 

مع كامل محبتنا وعدم تقديرنا.

 

 

جوزف طوق