الحراك الدولي على الصعيد العربي من جهة، أو فرنسا من جهة أخرى، أمر إيجابي، وهو يتزامن مع تغيير الإدارة الأميركية، أما الهدف، فهو خرق جدار بعبدا، علماً أن هذه المبادرات تتكامل مع المبادرة الفرنسية، ولا أحد يريد إلغاء هذه الأخيرة.
 

يواجه لبنان اليوم أزمة تشكيل الحكومة على خلفية ما بات يعرف بالمعايير الموحدة والثلث المعطل وتلبية شروط المبادرة الفرنسية من دون ما يدفع إلى مراجعة للمتغيرات التي حصلت لبنانياً وإقليمياً ودولياً ، وكيف ستؤثر على تشكيل الحكومة العتيدة،والدليل على ذلك مستوى التصعيد الذي يحكم مواقف القوى السياسية وتحديداً بين المواقع الدستورية ،مما يوحي بأنّ مشوار التأليف لا يزال طويلاً ودونه عقبات كثيرة، خصوصاً أنّ السجال بين بعبدا وعين التينة وبيت الوسط، عبر نواب الاطراف،الذي بلغ سقوفاً غير مسبوقة تزيد من الإشارات بأنّ محاولات إختراق الحواجز والعقبات لا تزال محكومة بالفشل.

 


ووسط هذه المراوحة المحلية، هناك تحرك مشهود على الساحة الإقليمية والدولية حيال لبنان البطريرك الماروني بشارة الراعي جدد موقفه ، بدعوته المجتمع الدولي والأمم المتحدة الى ضمان حياد لبنان، دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي مجدداً إلى أن تُطرح قضية لبنان في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة، يُثبّت لبنان في أطره الدستورية الحديثة التي ترتكز على وحدة الكيان، ونظام الحياد، وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه، والمس بشرعيته، وتضع حدا لتعددية السلاح، وتُعالج حالة غياب سلطة دستورية واضحة تحسم النزاعات، وتسد الثغرات الدستورية والإجرائية، تأمينا لإستقرار النظام، وتلافياً لتعطيل آلة الحكم عدة أشهر عند كل إستحقاق لإنتخاب رئيس للجمهورية ولتشكيل حكومة.

 


وبمناسبة عيد مار مارون  وجه البطريرك الراعي رسالة الى اللبنانيين بهذه المناسبة  مركزا بقوله يؤسفنا اليوم أن نحيي عيد ما مارون، واللبنانيّون يعانون العذاباتِ ويقدِّمون التضحيات بينما دولتُهم منشغلةٌ بأمورٍ صغيرةٍ كثيرة. يتنافس المسؤولون على تعطيلِ الحلول الداخلية ما يدفعنا إلى التطلّعِ نحو الأمم المتحدة للمساعدة على إنقاذ لبنان، فمن واجبها أن تَعكُفَ على دراسةِ أفضلِ السبلِ لتأمينِ انعقادِ مؤتمرِ دولي خاصٍ بلبنان، يعيد تثبيتَ وجودِه ويمنع سقوطه. إلى الأممِ المتّحدةِ توجَّهت جميعُ الشعوب التي مرّت في ما نّمر فيه اليوم. فمنظمةالأممِ المتّحدة ليست فريقًا دوليًّا أو إقليميًّا أو طائفيًّا أو حزبيًّا ليكون اللجوءُ إليها لمصلحةِ فريقٍ دون آخر، إنّها منظّمةٌ مسؤولةٌ عن مصير كل دولةٍ عضوٍ فيها.

 

 

صحيح أن أكثر من موقف بشأن تدويل الأزمة اللبنانية قد صدر في الآونة الأخيرة، لكنها تبقى مواقف في إطار التمني أو الدعوة ممن يئسوا من حصول تطور إيجابي داخلي، فيما مثلُ هذا المسار، على التحديات الكبيرة التي تترتب عليه، ليس بالمتاح راهناً أقله من منظور اهتمامات السياسات الدولية الراهنة التي لها أولويات أخرى تماماً، باستثناء الإهتمام الفرنسي.

 

 

إقرأ أيضا : لبنان : خيار الحكومة أو الفوضى

 

 


في الواقع، فإنّ هذا السجال العابر للمقار الرئيسية يثبت بما لا يقبل الشكّ بأنّ مكوّنات طبخة الحكومة لا تزال من بحص، ما يعني بأنّ الاتكال على همم القوى المحلية، سيترك الحكومة في وضع المراوحة القاتلة. اذ إنّ الوقائع والتجارب السابقة والحسابات الضيّقة، تؤكد أنّ العهد بركنيْه، أي رئاسة الجمهورية ورئاسة "التيار الوطني الحر"، لن يقدم على أي خطوة تنازلية أو الى الأمام، مهما اشتدّ الضغط الداخلي المتمثل بالأزمة المالية - الاقتصادية - الاجتماعية، لكونه يعتبرها آخر معاركه وأوراق قوته ولذا لا يبدي أيّ استعداد للتخلّي عن آخر مكتسباته.

 


وإذا كانت الأيام الأخيرة شهدت حركةً دوليةً ودبلوماسيةً لافتة، من عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى لبنان، إلى الزيارة السريعة التي قام بها وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ، كما والقدوم المُتوقع لمستشار الرئيس الفرنسي ، بالإضافة، إلى رسالة البابا فرنسيس، في هذا الإطار، رأى عضو كتلة المستقبل، النائب عثمان علم الدين، أن الحراك الدولي على الصعيد العربي من جهة، أو فرنسا من جهة أخرى، أمر إيجابي، وهو يتزامن مع تغيير الإدارة الأميركية، أما الهدف، فهو خرق جدار بعبدا، علماً أن هذه المبادرات تتكامل مع المبادرة الفرنسية، ولا أحد يريد إلغاء هذه الأخيرة، كما أن المساعدات الخارجية مرهونة بتشكيل حكومة، لكن الغريب أن الدول الخارجية تبدي حرصاً على لبنان أكثر من بعض المعنيين في الداخل.

 


من جهته، استغرب عضو كتلة التنمية والتحرير محمد خواجة تعرّض نواب التيار لعمل المجلس النيابي، علماً أن البرلمان أقرّ عدداً لا بأس به من القوانين في ظل الشلل الحكومي وجائحة كورونا،.  وعن احتمالات تدويل الأزمة اللبنانية، لفت خواجة إلى أنه "لا يشاطر من طرح هذه الطروحات، خصوصاً وأن لا إجماع داخلي حول هذه الأمور، والطموح لأطيب العلاقات مع مختلف دول العالم، سيّما منها العربية والإسلامية، ينبغي أن يواكبه أن نكون مجتمعاً متماسكاً في دولة مواطنة، ولا يجوز أن نتجه إلى الخارج كل ما أردنا تشكيل حكومة.

 


في هذا السياق ايضاً أكدت مصادر في حزب القوات اللبنانية دعمها لطرح البطريرك الراعي عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان، ورأت مصادر القوات أن الكنيسة تحاول رفع الصوت بعدما تبيّن لها وللجميع أن لبنان ليس في أولويات الدول الصديقة الآن، وما عودة الاغتيالات سوى خير دليل على أن القاتل يدرك بأن لبنان منسي، مع هذا لم يصدر حزب القوات اللبنانية بيانا يوضح فيه الموقف من طرح البطريك الراعي.

 


في الخلاصة يمكن القول أن ما يحصل على مستوى الخارج والداخل لا يبحث عن حلول  جذرية، لأن ما يجري اليوم من تحركات كلها تهدف الى خرق جدار التعطيل للوصول إلى تشكيل حكومة.