إن الأيام المقبلة ستكون ضبابية وصعبة ، والمنطقة بشكل عام ولبنان بشكل خاص، مُقبلة على ما يُمكن وصفه بالتفاوض على صفيح ساخن وبمعنى أوضح نظراً لحجم التعقيدات ، وترقّب ما سيحدّده الرئيس الأميركي حول السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط.
 

من الواضح تماماً اعتباراً من لحظة دخول الرئيس الامريكي الجديد الى البيت الابيض أنّ منطقة الشرق الأوسط ككلّ على موعد مع بداية مرحلة من التحوّلات الكبرى ، حيث ان المعلومات تؤكد أنه وقبل تحديد الرئيس الأميركي جو بايدن، لكيفية تعاطي إدارته في ملف السياسة الخارجية في الايام المقبلة، لن تكون هناك أي حلول في لبنان، نظراً لارتباطاته الوثيقة بالمحاورالإقليمية والخارجية، وكونه بحدّ ذاته ملفاً يتداخل ويتقاطع مع عناوين إقليمية، أو مع هذا المحور وذاك، إذ في السابق، كان الملف اللبناني متداخلاً مع الملف الفلسطيني، وبعدها مع الملف السوري، واليوم مع الملف الإيراني.

 

 

ولا شكّ في هذه المرحلة أن المِلفّ الأهم والأصعب والأكثر تأثيرًا على كامل منطقة الشرق الأوسط هو الملفّ الإيراني، وفي مُقابل الرغبة الإيرانيّة الشديدة بالعودة إلى تطبيق الإتفاق بدون أيّ تعديلات، كونه يصبّ في مصلحتها تمامًا، تضغط إسرائيل في إتجاه أن تكون أي عودة أميركيّة غربيّة إلى الإتفاق، مرتبطة ببند إضافي يشمل الصواريخ البالستية الايرانية  ، لأنّ الصواريخ التي تُطلق في إتجاه السعودية حاليًا يُمكن أن توجّه إلى إسرائيل في المُستقبل. من جهة أخرى، تريد كل من السُعوديّة ودولة الإمارات أن يبقى الضغط الذي كان مُمارسًا على إيران خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، قائمًا، للحدّ من الإنفلاش السياسي والأمني الإيراني في المنطقة ككلّ، والذي بات يُهدّد جديًا أمن دول الخليج. 

 

 

وفي كلّ الأحوال، إنّ إدارة الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن لا تريد منح إيران ورقة مجانيّة ومن دون أي مقابل.

 


بالنسبة إلى لبنان، وعلى الرغم من عدم ادراجه إطلاقًا على أولويّات إدارة الرئيس الأميركي الجديد، أي لا إهتمام بوضعه الداخلي، تُوجد مُتابعة غير مُباشرة لتطوّرات الساحة اللبنانيّة، إنطلاقًا من تأثير الوضع في لبنان على إسرائيل، حيث يبقى كلّ من ملف ترسيم الحدود ومسألة صواريخ حزب الله، تحت المُراقبة الأميركيّة، علمًا أنّ واشنطن ماضية في دعم الجيش اللبناني حفاظًا على الإستقرار الداخلي. إنّ محاولة تحريك الساحة اللبنانية المثقّلة بالتراكمات الإقليمية من بوابة طرابلس، بمعزل عن أيّ مستجدات دولية باتّجاه الإضطراب أو التهدئة هو مضيّعة للوقت، فتشكيل حكومة في لبنان ليس شأناً لبنانياً بل أضحى جزءاً من الملف النووي ومن إتّفاقات التطبيع وبنداً من مقررات قمّة العُلا ومستقبل النظام في سوريا وخارطة النفوذ الإيراني.

 

 

إقرأ أيضا : لبنان : على قارعة الخريطة الدولية

 

 

وعلى ضوء هذا الواقع تجاوز ملف تشكيل الحكومة الجديدة الداخل اللبناني وأصبح التحرّك الى جانب الدور الفرنسي بعد حادث تفجير مرفأ بيروت المشؤوم، إلى الدول المؤثرة والفاعلة بالوضع الإقليمي والدولي وفي مقدمتها روسيا الاتحادية التي أبدت اهتماماً خاصاً بموضوع تشكيل الحكومة الجديدة .

 


في هذا الإطار كشفت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى ان ملف تشكيل الحكومة اللبنانية كان موضع بحث ونقاش بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الذي زار موسكو مؤخراً، على ضرورة قيام طهران بالمساعدة لتسهيل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، بأسرع وقت ممكن لكي تتولى مهمة معالجة الأزمات التي يواجهها لبنان.ولكن ما فهمه وزير الخارجية الروسي من نظيره الإيراني، ان طهران ليست متحمسة للعب دور إيجابي لإنجاح المبادرة الفرنسية بلبنان .

 

 

يستعيد عديدون مواقف للرئيس الفرنسي، منذ اعلان  مبادرته، وخلاصتها ابداء الاسف الصريح والعلني، لما اسماه فشل الزعامات السياسية من الالتزام بتعهداتهم التي قطعوها بتشكيل حكومة انقاذ في اسرع وقت، وقد تعزز ذلك مع ما يحكى عن عزم الادارة الاميركية الجديدة، التمايز عن فرنسا، بإحياء العلاقات المميزة مع لبنان، وقد لفت انظار عديدين حراك السفيرة الاميركية في بيروت وقد دعت الى احياء وتعزيز علاقات الصداقة والتعامل بين الولايات المتحدة ولبنان، في اطار التفاهم والاحترام المتبادلين، كما ودعم تحييد لبنان عن المحاور الاقليمية وعلى وجه الخصوص المحور الايراني وتعزيز دعم الدولة اللبنانية في بسط سلطتها الحصرية والكاملة على جميع الاراضي اللبنانية.

 

 

بالتوازي مصدر مقرب من الفرنسيين، بأن هناك تقاطعاً فرنسياً أمريكياً لإعادة إحياء المبادرة الفرنسية بشروط جديدة تفرض على القوى المتصارعة.


ويؤكد المصدر أن الميدان اللبناني المتأزم قد يكون بوابة العبور الجديدة للمبادرة الفرنسية المدعومة أممياً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والفاتيكان، في ظل تعهّد مصري بإقناع الدول العربية بدعم المبادرة الفرنسية، إذا التزمت القوى السياسية بالشروط الموضوعة حول الإصلاحات وإبعاد حزب الله عن الحكومة.

 

 

في الخُلاصة، فإن الأيام المقبلة ستكون ضبابية وصعبة ، والمنطقة بشكل عام ولبنان بشكل خاص، مُقبلة على ما يُمكن وصفه بالتفاوض على صفيح ساخن وبمعنى أوضح نظراً لحجم التعقيدات ، وترقّب ما سيحدّده الرئيس الأميركي حول السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، ، ليس هناك من أي حلول سريعة تشي بتأليف الحكومة ، وما لم يتمّ تحصين الساحة الداخليّة، فإنّ لبنان سيكون الحلقة الأضعف في هذا المسار وعندها سيكون من السهل أن تأتي التسويات الإقليميّة على حسابنا. مع العلم أن هذا الترقّب قد يمتد لأسابيع وربما لأشهر، مما يحتّم تنفيذ المبادرة الفرنسية، وإلا فالأمور متّجهة إلى أزمة مفتوحة قد تكون أزمة نظام وفراغ في كل مؤسّساته الدستورية.