تصادف ذكرى ال 20 عاما على رحيل الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين ولبنان يلتقط انفاسه الاخيرة، وينازع تحت مطرقة فيروس كورونا الوبائي القاتل الذي لا يرحم كبيرا او صغيرا، والسندان الاميrكي – الايrاني الذي وضع وطننا بما فيه لبنان الكبير والكيان والرسالة على "طبلية " حبل المشنقة الملتّف على عنقه بانتظار قرار الجلاّد.
  
رحل العالم المفكر وصاحب الرؤى المستنيرة وفي ذهنه ان امتنا ستبقى خير أمة أخرجت للناس، وأن التضامن العربي والاسلامي سيكون في اوجّه، فلا تطبيع مع عدو غاشم، ولا حرس حدود في الجولان ولبنان، ولا ترسيم مائي بعيون زرقاء أو صفراء وما شابه، وأن النزاع الحدودي البحري بين لبنان وعدوّته إسrائيل المدعومة من "الشيطان الاكبر" لن يتوقف عند البلوك رقم 9 في مياهنا الإقليمية، وان فلسطيn بمقدساتها وتاريخها ونضالاتها ستبقى الشعلة المضيئة في وجدان وضمير واخلاق امتينا العربية والاسلامية دونما تخلي عنها احد، متذكرين شعاره "ضرورات الأنظمة وخيارات الشعوب".
  
غاب الركن الفقهي الكبير والمثقف الوطني وهو يحلم بلبنان الدولة والمؤسسات، اذ بعد عودته من النجف اثر 35 عاما بقي اللبناني في الصميم، إماما في جامع الدكوانة يدعو للقيم الانسانية والروحية السمحاء، فنائبا اول للامام المغيّب موسى الصدر اعاده الله مع اخويه الشيخ محمد يعقوب والإعلامي عباس بدر الدين، ثم رئيسا للمجلس الشيعي الاعلى. واستمر رافضا بالمطلق تصدير الثورة الايrانية الذي وقف الى جانبها في انتصارها، ولعدم إستقلالية الشيعة في لبنان ككيان أو ربط مصيرهم وموطنهم بمحاور خارجية، وكذا كل طروحات الاندماج، او تميز بيئته الشيعية بمشاريع خاصة كحال الصيغة الراهنة، وصولا الى رفضه نظرية "ولاية الفقيه" طارحا مقابلها نظريته المسماة "ولاية الأمة" بفكرتها الديمقراطية الصرفة والعامة للمسلمين، تدعوهم إلى التعاضد والتكاتف كمجتمع متجانس.


  
جهد الامام الراحل المنفتح المتنوّر بإخلاص وتفان لاعلاء شأن القيم الوطنية، تاركا خلفه أرثا وحدويا يحكي التطلعات والطموحات الكبيرة في العيش المشترك وحفظ كرامة الانسان والتلاقي، والتفتيش الدائم لايجاد القواسم والمساحات المشتركة بين الطوائف والاديان، لارساء مفاهيم جديدة ومتطورة على طريق تعزيز الحوار وقبول الآخر واحترام الشراكة الوطنية ووطن العدالة والمساواة. بيد ان طرحه الغاء الطائفية السياسية من النفوس والنصوص عاد واتفق مع البطريرك الراحل نصrالله صفير على "ترشيد النظام الطائفي" من خلال ترميم ثغراته واعوجاجاته. وقد سار بذات النهج كثر من اعلام الشيعة الكبار مثل "رفيقي دربه" العلاّمة الراحل محمد حسين فضل الله، والعلاّمة السيد محمد حسن الامين أطال الله بعمره، وعلى دربه الراحل السيد هاني فحص وغيرهم.


  
تميّز الامام شمس الدين بحكمة ثاقبة حيال المقاwمة الذي كان أحد مؤسسيها وأوصى أن تبقى إسلامية ووطنية وسبيلا لتحرير الأرض، وعلى هذا الاساس احتضنتها فئات عدة من المجتمع اللبناني حتى انه قُدّم لها سلاحا وفُتحت لها طرق امداد كما حصل في الجبل، قبل أحداث 7 ايار وتداعياتها، لتضحى بغياب الامام شمس الدين نقيضها قبل 20 عاما، مع تبدّل في استراتجيتها ومفاهيمها واساليبها حيال الوطن والدولة والمؤسسات والشراكة والتنوع والقراءة المختلفة للتاريخ ونظرة اللبنانيين اليها. 
  


وعلى ذاك الوقع الصارخ الذي تحلّى به الامام الراحل خرجت وتخرج أصواتا شيعية عدة وطنية موزونة ومقدّرة روحية وسياسية واعلامية وثقافية واجتماعية، تحضّ قادة الطائفة الشيعية الكريمة العودة بها الى تراثها مع كبار العلماء الذين سارت بحكمتهم ونهجهم وذاكرتهم. وكذلك أما آن عودة المقاwمة مثلا اسلامية وطنية نهجا وعقيدة وأهدافا تصالحية واعتدالا! والجلوس تاليا مع كل الشركاء للاتفاق على ما يحفظ ما تبقّى من لبنان، وصونه من كل المخاطر التي تحوقه صحيا واجتماعيا ومعيشيا وأمنيا ومؤسساتيا وسياسيا، بعد أن بات يشبه الوطن المتهالك والمنقسم على نفسه وأشبه بالمحاور والكانتونات الطائفية والمذهبية! أولا يكفي انفجار المرفأ والتحذيرات بوجود مواد قابلة للانفجار مجددا أيضا لا تزال موجودة أو ستصل، واحتراق وتدمير قسم من بيروت وتهديدات المطار وصور ومشاهد مصائب اللبنانيين، وتلك المعلّقة بين الحياة والموت على أبواب المستشفيات والطرقات، وعشرات الجنازات يوميا؟! 

في الخلاصة ماذا سينفع اللبنانيين عموما والمقاwمة وحzب الله خصوصا اذا تحسنّت شروط ايrان أو سوريا وغيرهما، وفي المقابل زال لبنان بتراثه وإرثه وتاريخه وحضارته وثقافته وبشعبه المذبوح عن خريطة الوجود؟!...
   
رحمات الله على الإمام محمد مهدي شمس الدين... فكم يشعر وطنه اليوم بثقل الغياب.

 

الشيخ عامر زين الدين