إنسحاب عناصر الحرس الوطني من العاصمة الاميركية واشنطن لا يعني انّ التوتر الداخلي تراجع وانّ المواجهة انتهت.

زعيم الاغلبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شومر، قال إنّ ّمحاكمة دونالد ترامب ستنطلق بعد الثامن من شباط المقبل. صحيح انّ بعض الاصوات في الحزب الجمهوري ارتفعت معترضة، وانّ هذا سيفتح الباب امام محاكمة رؤساء سابقين من الحزب الديموقراطي، إلّا أنّ الحقيقة غير المرئية تشير الى سعي خفي لدى كبار المسؤولين في الحزب الجمهوري لإدانة ترامب، اما بسبب ذهولهم للسلوك المدمّر لمنطق الدولة والمؤسسات والذي سلكه ترامب، وإما لقطع الطريق على مساره المستقبلي، بابتلاع او شق الحزب الجمهوري، وصولاً لإعلان ترشحّه لرئاسة البلاد في العام 2024.

 

ومن الأخبار المثيرة المتداولة حول سلوك ترامب، انّه منح إجازات بالجملة لموظفي البيت الابيض، ما ادّى الى تأخير دخول جو بايدن الى مقرّ البيت الابيض يوم تسلّمه مهامه رسمياً، نظراً لغياب من هو مسؤول عن فتح ابواب المكاتب والاروقة.


 
 

هو مؤشر الى التوتر الداخلي الذي سيسود، لكن بايدن حاول ان يعكس صورة الرئيس الذي انجز تجهيز كافة ملفاته، وبأنّه سيسعى الى القفز فوق مرحلة السنوات الاربع لترامب، فوقّع فور دخوله على 17 قراراً يلغي بموجبها قرارات كان قد اتخذها سلفه.

 

لكن السؤال يبقى حول الخطوط العريضة التي ستستقر عليها سياسة بايدن الخارجية، خصوصاً بالنسبة للشرق الاوسط والملف الإيراني. وهذا ما يترصّده العديد من الدول، وهو ما يؤثر مباشرة على الساحة اللبنانية.

 

في الواقع، ستبقى الادارة الاميركية منشغلة بجلسات الاستماع القائمة في الكونغرس الاميركي، للمصادقة على الاسماء التي اقترحها بايدن لتتولّى المسؤوليات في ادارته.

 

الإشارة الأهم كانت بالموافقة على تعيين الجنرال المتقاعد لويد اوستن، الذي قيل الكثير حول موانع ستحول دون الموافقة عليه. ويدخل اوستن كأول وزير دفاع اميركي من اصول افريقية، وهو ما يعني حرص الجمهوريين على عدم وضع العراقيل امام بايدن. وانشغال فريق بايدن بجلسات الكونغرس الاميركي سيعني أنّ اتضاح الخطوط العريضة للسياسة الخارجية سيحتاج لفترة لا تقل عن اسبوعين وربما اكثر بقليل، ما يعني ايضاً انّ قوة الدفع المنتظرة لفك أسر الحكومة اللبنانية لن تتحرك قريباً جداً.

 

لذلك، ربما بقيت محركات «حزب الله» مطفأة، وعلى اساس انّ لديه القدرة على دفع الاطراف للتراجع خطوة الى الوراء تأميناً للولادة الحكومية.

 

في الواقع بات معلوماً انّ لـ»حزب الله» تصوراً لتسوية حكومية تقوم على اساس عدم منح اي فريق الثلث المعطل لوحده، وهو ما يعني عدم حصول «التيار الوطني الحر» على الثلث المعطل، ولو تحت شعار المطالبة، إما بحكومة العشرين وزيراً او تسمية الوزراء المسيحيين، ولكن في المقابل، عدم ترك الرئيس سعد الحريري تحقيق انتصار حكومي، ما يعني عدم السماح بإلحاق هزيمة بالرئيس عون.

 

وصحيح انّ ثمة من يعتقد انّ المناورات الداخلية اخذت مداها الكامل، وأنّ حال الاهتراء الداخلي تزداد خطورة يوماً بعد يوم، لكن لـ»حزب الله» قراءته الخارجية، وسط توقعات بأنّ فريق بايدن مهتم بالملف الايراني، والأهم بترتيب الخارطة الجيوسياسية في المنطقة.


 
 

واصبح ثابتاً، انّ الملف اللبناني بحدّ ذاته لن يجد له مكاناً على الطاولة الاميركية اقلّه في المدى المنظور. لكن لبنان سيستفيد حكماً من المناخ الايجابي الذي سيتمخض عن التخفيف من العقوبات على ايران واعادة العمل بالملف النووي.

 

واستتباعاً، فإنّ الطرف الخارجي الوحيد القادر على اعادة تولّي تحريك الملف الحكومي اللبناني هي فرنسا، ولكن بعد ان تستقر الادارة الاميركية، لتستطيع منح باريس مباركة واضحة لمبادرتها.

 

لكن ثمة مشاكل تعانيها فرنسا ايضاً، وفي طليعتها ازمة كورونا، حيث تتجّه البلاد الى اغلاق جديد، وهو ما يعني مزيداً من الخسائر على المستوى الاقتصادي الفرنسي. وبالتالي، هل تستطيع فرنسا التفرّغ للملف اللبناني وفق الزخم المطلوب، حتى ولو مع حصولها على ضوء اخضر اميركي ودعم لمبادرتها؟

 

سؤال لا بدّ من طرحه، وهو ربما ما يحتّم حصول مبادرة داخلية موازية ايضاً وتبريد الرؤوس الحامية، والتي تحسب من خلال كيفية تشكيل هذه الحكومة للمرحلة السياسية والانتخابية اللاحقة، اكثر منه بكثير من حساب معالجة الملفات الاقتصادية والمالية والصحية المزرية.

 

في الواقع، هنالك اطراف لبنانية اساسية معنية بتأمين ولادة الحكومة، تطلب ضمانات للمرحلة اللاحقة حيال حجمها ووجودها وحضورها وتأثيرها، خصوصاً من خلال الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة. وهنالك اطراف اخرى تريد ضمانات لها طابع اقليمي قبل ان تقوم بتقديم خدماتها.

 

ومن الآن وحتى نهاية شهر آذار، ستصبح السياسة الخارجية الاسرائيلية اضافة الى الامنية والعسكرية، في خدمة المعركة الانتخابية.

 

ومنذ يومين، سمح الرئيس الاميركي لمستشار الامن القومي جيك سوليفان بإجراء اول اتصال رسمي مع نظيره الاسرائيلي مئير بن شابات، بعد ان كان قد امتنع عن ذلك طيلة المرحلة الانتقالية.

 

ووفق مصادر اعلامية، فإنّ الاتصال تطرّق الى الملف الايراني الذي يقض مضجع المسؤولين الاسرائيليين. والمؤشر الذي يمكن استنتاجه من الاتصال، بأنّ الرئيس الاميركي سيشارك المسؤولين الاسرائيليين بالعديد من جوانب مفاوضاته مع ايران.


 
 

ذلك انّ ثمة قناعة اميركية بأنّ الرهان على تغييرات قد تفضي اليها الانتخابات الاسرائيلية انما تبقى غير واقعية.

 

فصحيح انّ آخر استطلاعات الرأي اظهرت خطراً جدّياً على نتنياهو الذي حصل على 43% مقابل 40% لجدعون ساعر، حول من يفضّل الاسرائيليون لرئاسة الحكومة المقبلة، الّا أنّ ساعر المنشق عن الليكود، سيعتمد السياسة نفسها التي اعتمدها نتنياهو.

 

ذلك انّ رموز اليمين، مثل جدعون ساعر ونفتالي بينيت، اقل براغماتية واكثر ايديولوجية من نتنياهو نفسه.

 

وهو ما يعني انّ على بايدن ان يتوقع وجع الرأس من اسرائيل، والكثير من الافخاخ، لا سيما على الساحتين السورية والعراقية ولم لا اللبنانية.

 

وها هو تنظيم «داعش» يعود ليضرب بقوة في بغداد، وقبلها في سوريا، حين استهدف الفرقة الرابعة في الجيش السوري. والأهم انّ الساحة اللبنانية ليست بمنأى، خصوصاً وسط الظروف الصعبة التي تدفع الناس الى ما يشبه اليأس.

 

وهو ما يدفع للاعتقاد، انّ الفراغ الحكومي اصبح مضراً للجميع وربما كارثياً حتى للمصالح الخاصة، وأنّ البوابة الوحيدة المتوفرة هي البوابة الفرنسية بدعم اميركي.