جمعتني فترة عمل مع الصديق الخلوق الحاج قاسم قصير بعد أن كانت معرفتي به والتي ترجع الى زمن بعيد يعود للفترات الاولى وبدايات انطلاق "العمل الاسلامي" في لبنان، فكانت معظم الحوارات والنقاشات التي تدور بيننا بكل رقي رغم الخلافات البنيوية وتبدل المنطلقات الفكرية بيننا، فالحاج قاسم الذي لم يستطع ان يخرج واظنه لم يخرج حتى اللحظة من ما كنا نعتقده مرتزكات "إسلامية" تحكم ليس فقط سلوكياتنا الحياتية وانما تقبض على رؤيتنا السياسية ومقارباتنا للخيارات الكبرى 

 


بالجلسة الاسبوعية التي كنا نعقدها على طاولة التحرير والتي نادرا ما كان يغيب عنها، كنت لا اشك لحظة بأن حضوره بيننا نحن المتهمون "بشيعة السفارة" هو حضور باقل تقدير مرضى عنه حزباللهيا، فمروحة علاقاته الواسعة جدا مع دوائر القرار في حزب الله والتي كان لا يخفيها بل ويعلن عنها وعن استمراريتها بكل صدق وبكل شفافيته المعهودة، وحرصه الدائم على الحفاظ عليها، قناعة منه بأهميتها وضروريتها من جهة، وبوصفها مخزون تاريخي شخصي يتباها به ويفتخر فيه من جهة أخرى.

 


 
إلى حد كبير كنت احاوره بوصفه "سفير" حزب الله على الطاولة، ليس بالمعنى "المخابراتي" طبعا، وانما بحكم طبيعته المنفتحة على الجميع، وبأدائه الرائع وعقله الراجح الذي يحوله حتما ولو عن غير قصد أحيانا وعن قصد وإصرار في معظم الاحيان الى ما يشبه جسر التقاء بين الافرقاء، والى محل تقاطع يجمع بين المختلفين مهما تباعدوا ( وهذه وظيفة المثقف والمفكر ) .

 

 

إقرأ أيضا : كوفيد 18 اللبناني، واللقاح الفعال

 

 

 

المهم، كنت دائما استغل حضور الصديق الحج قاسم قصير بيننا ،  لأبثه الشكوى الممزوجة بالكثير من التحذير والمخلوطة بالكثير الكثير من الاستغراب والتعجب، من الدرك القذر الذي وصل اليه جمهور الحزب، وسهولة تجرؤهم على الشتم والسباب والنيل من الاعراض فضلا عن سهولة التخوين والاتهام والقذف والافتراء والتخوين لأي مختلف عنهم، أو لأي معترض أو منتقد لسياساتهم،  بدون أي رادع ديني أو اخلاقي، وكيف أنه تحول هذا الجمهور الى جمهور سبّاب، لا يجيد الا لغة أصحاب الشوارع والزعران. 

 

 


وكنت اقرأ عليه في الكثير من الاحيان ما تيسر مما أجاده هذا الجمهور القذر على صفحتي او صفحات غيري من المعارضين، ظنا مني أن الحاج قاسم بأخلاقه الرفيعة وأدبه العالي واعتراضه على هذا الاسلوب الساقط والذي لا يدل الا على التصحر الفكري والعقلي والثقافي عند هذا الجمهور، بأن ينقل الصورة إلى أصدقائه من أصحاب القرار داخل الحزب علهم يؤدبون جمهورهم ان لم يكونوا راضين حقا كما يدعون على الشاشات والمنابر 
كان الحاج قاسم دائما يعبّر عن رفضه واستنكاره وشجبه لمثل هذه التصرفات الرخيصة من جمهور الحزب، الا انه  ومن موقعه "الوسطي" هنا أيضا، يحاول ان يرسل رسالة تخفيفية من خلال تحميلي وامثالي لشيء من "الذنب"، فيقول مثلا : " أي بس أنت كمان زايدها شوي " ... او " طيب ما انت خف عنن للجماعة " .. او " بسيطة بدك تتحمل ".

 


 
بعد المواقف الاخيرة للحج قاسم، التي اطلقها منذ ايام على شاشة الNBN ، ناصحا فيها حزب الله لمراجعة مواقفه والعودة الى لبنانيته والتخفيف من تأثير فائض القوة عند الثنائي والذهاب الى الموضوعية والواقعية ، ولا شك انها نصائح حريص ومحب للثنائي اولا وللشيعة ثانيا وللوطن عموما ثالثا، تكتشف حين تزور صفحته الفيسبوكية اطنان من الشتائم والسباب والتخوين قد انهالت عليه من هذا الجمهور عينه الذي كان ولا يزال يدافع عنه 
طبعا لست شامتا بالصديق العزيز الحج قاسم قصير، واستنكر ايما استنكار هذه الحملة القذرة عليه وعلى آرائه وما يطرح، إلا أنني ومع الاعتذار من الصديق العزيز لن اخفي انني تحدثت مع اصدقاء وعبرت لهم عن شيء من السرور عسعس في صدري حين قلت لهم : " اخيرا الحج قاسم داق "المغراية" .