كتب صديقي ـ علي سبيتي ـ (تتعلَّق الجماهير بحبال البطل، ومشكلة البطل في الشرق أنه لص). لقد ذكرني بمسلسل الكوميدي السوري ـ ضيعة ضايعة ـ الذي يمنح المشاهد أثراً بالغاً في الفكهنة والفكاهة والضحك، وهذا جزء كبير من تأثير الجماهير من دون وعي منهم، وبالتالي نتأثر بتلك الفكاهة وحبنا الشرقي للنكت والضحك، لربما لكثرة الحروب والمصاعب والمتاعب التي سيطرت على الفهم والوعي، فبتنا نعبد القائد الملهم بالدين والسياسة، وبالبطل الفذ الذي دخل على غرفنا من النافذة، فهرب العقل والوعي من الباب الواسع.

 


 يبدو يا صديقي، أنَّ الإنسان العربي والإسلامي منذ الأزل يعشق العبودية، حتى في زمن الأوثان والوثنية تربوا عليها وسمَّوا أنفسهم بأسماء العبودية ـ عبد قمر، عبد شمس، عبد اللات، عبد العزى، عبد الباب، عبد الدار، ومعظم الأسماء تأتي من عبد. وحتى في زماننا ترقينا بذلك، من عبد الزهرة، وعبد الأمير، وعبد وعبيد، وسبحة العبيد ـ تسعة وتسعون ـ فأصبحت العبودية تجري في شراييننا كما يجري الدم، حتى بتنا نردد بالروح بالدم نفديك، لبيك لبيك يا قائد. 

 


يا صديقي، إنَّ الذي ينشأ ويتربَّى منذ ولادته على ذلك، ولا يجيد غير لبيك لبيك والروح فَدْييك، فلا قيمة لذاته، ولا ثقة بنفسه، فإنه لا يجيد إلا تقبيل الأيدي وأنوف حكامه ولا مانع عنده من تقبيل ظهره من باب التبرك والتبريك. 

 

إقرأ أيضا :محنة عهد أم محنة سعد..!

 

 


لعلَّ ذلك يا صديقي، ثمة علاقة تبادلية بين الجماهير والقائد البطل، ولا شك أنَّ هناك جماهير واعية وفاضلة، وجماهير فاقدة وواهية، وجماهير بطلة، لكن يبقى المعطى الثقافي والإجتماعي له القوة من التأثير الذي يمثله الجمهور. لقد تعددت المواقف والتسميات من مفهوم الجماهير، ونراها بين مدحٍ لها تارةً، وأخرى بين ذم، فهناك من درس الجماهير ليتحكَّم بها، ورسم طريق إخضاعها للسيطرة، تارة باسم الله والدين، وأخرى باسم مصلحة الشعب والوطن، ومنهم من درسها لكي يفهمها ويفهم قوة تأثيرها في الأحداث، وآخر درسها ليوجهها إلى رشدها وصوابها وحياتها المنشودة، لكن تبقى الجماهير مغناطيساً تحت تأثير الدين والسياسة والمصلحة. ويحركها الوهم والعاطفة والأسطورة، مع غياب التفكير واغتيال العقل والوعي، فيوحي بعضها إلى بعض زخرف القول غروراً. مع أنَّ القرآن الكريم قال: "قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جُنَّة..." تحث على أنَّ الفرد أقدر على التفكير العقلائي أو بشكل ثنائي على الأكثر حتى يكون منعزلاً عن ضغط الجماهير. 

 


وأخيراً، من يقود من؟. هل القائد البطل يقود الجماهير، أم الجماهير تقود القائد البطل؟. فهنا قادة تقود الجماهير، وهناك قادة تقودها الجماهير؟!!. فكلهم أصناف تشبه بعضها بعضاً، وسيبقى الطرفان يتنازعان وفق المصالح والمفاسد، لأن الجماهير ما تحرقه اليوم، عبَّدته بالأمس، وكذلك العكس، فإنها تغيِّر مواقفها وأفكارها من أقصى اليمن إلى أقصى اليسار، كما تغيِّر لباسها وقميصها وبنطالها وكوفيتها وعقالها وجبَّتها وعمامتها، حتى الجراب والتاسومة، على حد قول ـ أسعد وجودي ـ في "ضيعة ضايعة" ـ (إذا حكى الواح، بيقولو حكى الواح، وإذا ما حكى الواح، بيقولو ما حكى الواح، وشو بدو يحكي الواح ليحكي الواح).