في وقتٍ يسود الجمود في البلد، خصوصاً على مستوى تأليف الحكومة، وفي ظلّ عناوين مختلفة مطروحة الآن، تبدأ بحلول مالية واقتصادية وتصل الى طروحات عقد مؤتمر تأسيسي أو إرساء الفدرالية، وفي حين تتخوّف أوساط عدة من عرقلة استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة في عام 2022 بعد تأجيل الانتخابات الفرعية، إثر استقالة ثمانية نواب من المجلس، وضع حزب «القوات» اللبنانية آلية عملية لتشكيل جبهة موحّدة على هدفٍ واحد: إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهو العنوان المركزي والهدف الأساس للحزب في المرحلة المقبلة.

تسعى «القوات» الى فك الارتباط مع الأكثرية القائمة، وتعتبر أنّ لا أمل في الإنقاذ في ظلّ هذه الأكثرية، مهما كانت طبيعة الحكومة التي ستُؤلّف، لأنّ هذه الأكثرية ستضع العراقيل والعصي في الدواليب أمام أي حكومة، وبالتالي لا يُرجى أي إصلاح في ظلّ هذه الحكومة بالنسبة الى «القوات»، ويجب الذهاب الى انتخابات نيابية مبكّرة مدخلاً للتغيير، من خلال العودة الى الناس للتعبير عن مزاجهم في صناديق الإقتراع.

 

ومنذ أواخر عام 2020 المُنصرم، بدأت الاجتماعات الداخلية في «القوات» للاتفاق على آلية للوصول الى هذا الهدف. إذ هناك عناوين كثيرة مطروحة في البلد، فالبعض يدعو الى عقد مؤتمر تأسيسي، فيما يركّز البعض الآخر على معالجة الوضع الاقتصادي، وتدعو جهات سياسية الى إسقاط رئيس الجمهورية، وترى جهات أخرى ضرورة إجراء إصلاح في «اتفاق الطائف»، فيما عادت طروحات اللامركزية والفدرالية الى الواجهة. إلّا أنّ النقاش في هذه العناوين لا يوصل الى أيّ حلّ بالنسبة الى «القوات»، فهذا «نقاش سياسي وفكري، وجدل بيزنطي، فيما أنّ الخطوة العملية الوحيدة هي العودة الى الناس». فإذا بقي النقاش قائماً على ما هو عليه الآن، فالبلد سيتجّه الى تمديد هذه الأزمة،  بالنسبة الى «القوات»، التي ترى «أنّنا لو لجأنا الى الانتخابات النيابية منذ 17 تشرين الاول 2019 لما وصلنا الى الوضع الراهن، بحيث أنّ هذا التأخير فتح الباب أمام نقاش لا يوصل الى مكان، والى أن ندور في حلقة مفرغة». 


 
للخروج من هذه الحلقة المفرغة، لا حلّ إلّا بالانتخابات، بحسب «القوات»، التي تدعو الى «التوحّد حول هذا البند. فالمشكلة الأساسية الآن هي الأزمة المالية المترامية الأطراف، التي أوصلت البلد الى وضعه الراهن، وبالتالي لتغيير هذا الوضع وإنقاذ البلد، يجب الذهاب الى أكثرية تعيد الاعتبار الى أولويات الناس، وأن تحكم بمنطق الدولة وليس بأي منطق سياسي آخر، وذلك عبر ديناميّة تُشكّلها الانتخابات».

 

ووضعت «القوات» آلية ولائحة اتصالات، ستتولاها مجموعة من نواب وقياديين في «القوات» مع القوى المعارضة، وكلّ من يؤيّد إجراء انتخابات نيابية مبكرة من دون استثناء. ولشرح أنّ هذه آلية عملية، ويجب أن تتوحّد المعارضة حول هدف مشترك، يكون في متناول اليد ويريده الناس، وهو الانتخابات المبكرة. وتقضي الآلية بتواصل مجموعات محدّدة من نواب وقياديي «القوات» مع مرجعيات ومجموعات وقوى معينة، بهدف تشكيل قوة ضغط سياسية وطنية للدفع في اتجاه الانتخابات.

 

الهدف الأساس من قوة الضغط هذه، هو إسقاط الأكثرية القائمة التي تحمّلها «القوات» مسؤولية الأزمة الحاصلة في لبنان، وستتصل «القوات» بالقوى المعارضة المنفتحة على هذا الخيار، مثل تيار «المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» وحزبي «الكتائب اللبنانية» و»الوطنيين الأحرار»، ومع قوى وجمعيات في المجتمع المدني، تمكنت من تنظيم وتأطير نفسها. كذلك ستتواصل «القوات» مع المرجعيات الروحية أيضاً، لتفسير موقفها هذا. ويهدف هذا التحرك «القواتي» في التواصل مع القوى السياسية والمرجعيات الروحية، الى تشكيل حركة استنفار وتعبئة وطنية لتحقيق هدف الانتخابات المبكرة. فـ»القوات» تعتبر أنّ هذه خطوة عملية، وكل كلام آخر نظري. ومن خلال هذه الخطوة العملية الوحيدة التي انتفض الناس لتحقيقها، يُمكن الذهاب الى تكوين سلطة جديدة.

 

هذا التحرّك «القواتي» محصور بإجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق القانون القائم الذي أُجريت على أساسه الانتخابات الأخيرة في أيار 2018، إذ إنّ البحث في قانون انتخاب جديد سيُدخلنا في جدلٍ بيزنطي آخر، بحسب قياديين في «القوات». لكن هذا التحرُك سيُواجه بعقبات عدة، أبرزها أنّ غالبية القوى التي تريد انتخابات مبكرة غير متفقة على قانون الانتخاب، فكلّ من «المستقبل» و»الاشتراكي» معترض على القانون القائم، في وقت إنّ رئيس «المستقبل» سعد الحريري هو الرئيس المكلّف تأليف الحكومة الجديدة، كذلك وضع رئيس مجلس النواب نبيه بري لهذه السنة هدف تغيير قانون الانتخاب. وكان سبق أن حصل اتفاق ثلاثي للاستقالة من مجلس النواب بين «المستقبل» و»الاشتراكي» و»القوات» في مقرها العام في معراب، قاده رئيس الحزب سمير جعجع شخصياً، إلّا أنّه سقط فوراً جراء مقايضة «المستقبل» و»الاشتراكي» عدم الاستقالة من المجلس باستقالة حكومة الرئيس حسان دياب. 


 
 

هذا فضلاً عن أنّ الأكثرية القائمة ترفض إجراء هذه الانتخابات، وإنّ الأسباب الدستورية لحلّ مجلس النواب غير قائمة. ويعتبر «التيار الوطني الحر» أنّه في حسابات «القوات» ضعُف «التيار»، وهي تريد «الانقضاض على بعض المقاعد النيابية، فيما أنّها تعلم أنّه لا يمكنها التغيير لدى السنّة والشيعة والدروز، وهدفها محاولة ضرب «التيار» وتسجيل نقاط في السياسة على فريق يُعتبر أنّه خصمها».

 

إلّا أنّ «القوات» تؤكّد أنّ «هدفها الأساس ليس زيادة عدد نوابها، بل إنّ ما يحرّكها اعتبار وطني، على رغم أنّ زيادة حجم نوابها مهم، لكي تتمكن من زيادة ضغطها وحجمها ودورها وفعاليتها وتأثيرها في المعادلة الوطنية». وترى، أنّ «لبنان مأزوم الآن ويعاني أزمة كيانية سيادية دولاتية وطنية سياسية مالية، وللخروج من هذه الأزمة يجب التفكير بحلول ووضع خريطة طريق، وذلك عبر انتخابات نيابية مبكرة، فكلّ ما عداها تمديد للأزمة، والدليل على ذلك أننا منذ «انتفاضة 17 تشرين» حتى الآن ما زلنا ندور في الحلقة نفسها».