أولاً: إلى الرئيس سعد الحريري...

 


عندما كان في لبنان رجالات دولة ومسؤولون شرفاء، يعرفون معاني المسؤولية الوطنية، ويُقدّرون مُوجبات الحكم وقدسيته، ومع احتدام الأزمة الحكومية الحالية، يطيب لنا أن نُذكّرك بموقفٍ حازمٍ وجادِّ لوالدك الراحل الشهيد رفيق الحريري، وكان ذلك بعد تولّي الجنرال إميل لحود رئاسة الجمهورية في ٢٤/١١/١٩٩٨، وبعد أن أجرى الرئيس لحود الإستشارات النيابية الملزمة، ترك عددٌ كبير من النواب للرّئيس لحود تسمية من يراهُ مناسباً لرئاسة الحكومة الجديدة، ولم يحصل الرئيس رفيق الحريري على أكثرية عدد النواب لتسميته رئيساً للحكومة، وبعد استدعاء الحريري إلى قصر الرئاسة، وإطلاعه على نتائج الإستشارات، عرض الرئيس لحود على الحريري منحه الأصوات الموضوعة في عهدته، فاعتذر الحريري  عن قبول التكليف، وخرج مصحوباً بكرامته وعزّته، وترك كرسي رئاسة الحكومة لمن يمكنه أن يتعاون مع رئيسٍ جمهورية جديد، بعيداً عن الصراعات السياسية الشخصية، والمناكفات والمشاحنات التي لا تعود على المواطنين سوى بالضرر والخراب.

 


اليوم، نتوجه لدولة الرئيس المكلف سعد الحريري بالإقتداء بالحدّ الأدنى ممّا كان عند والده، وخاصةً بعدما سمع من قدحٍ وذمّ على لسان رئيس الجمهورية، ومن تُهمٍ زائفة على لسان ولي العهد القوي الوزير السابق جبران باسيل، فليُقدم سعد الحريري على الإعتذار بعيداً عن الصراعات السياسية الشخصية والنّكد السياسي.

 

إقرأ أيضا : عزل الرئيس ترامب أهون بكثير من عزل الرئيسين عون والحريري.

 

 


ثانياً: إلى الوزير السابق جبران باسيل...


ما زلنا في أجواء تلك الفترة من بداية حكم الرئيس لحود، فبعد اعتذار الرئيس رفيق الحريري عن تشكيل الحكومة الجديدة، أجرى الرئيس لحود الإستشارات النيابية الملزمة بالسرعة الممكنة، فتمّ تكليف الرئيس سليم الحصّ تشكيل الحكومة الجديدة، فأجرى الحصّ الإستشارات النيابية على عجل، فألّف حكومته الرابعة، وهي مُصغّرة كسابقاتها، إذ حوت ستّة عشر وزيراً، ( كانت حكومات الرئيس الحص السابقة: ١٨ وزير، ١٢ وزير، ١٤وزير)، وتألّفت حكومة الرئيس الحص في سرعة قياسية لم تتجاوز الساعة والنّصف( مسافة الإنتقال من ساحة النجمة إلى القصر الجمهوري)، وحدّدت تلك الوزارة مهامها "الإنقاذية" بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية والإدارية والقضائية، ولهذا ضمّت اختصاصيّين: جوزف شاوول للقضاء، جورج قرم للمالية، حسن شلق( رئيس سابق لمجلس الخدمة المدنية) وزيراً للإصلاح الإداري، ناصر السعيدي( نائب أول لحاكم مصرف لبنان وخبير في العلوم الإقتصادية) وزيراً للإقتصاد، الدكتور كرم كرم لوزارة الصحة، أرتير نازاريان ( صناعي وتجاري) وزيراً للسياحة والبيئة.

 


حبّذا لو يسمع ويتّعظ الوزير السابق جبران باسيل، لم يطلب الرئيس لحود "حُصّته" الوزارية، شكّل الرئيس الحص حكومته خلال تسعين دقيقة فقط، ضمّت الحكومة أحد عشر وزيراً من أصحاب الإختصاص، وتجاوزت التوزيع الطائفي للحقائب، وألغت المحظورات، ولم تتوقف عند الأعراف القديمة، فصارت الخارجية لسُنّي( سليم الحص)، والمالية لماروني( قرم)، واحتفظ الأرثوذكس بالداخلية والشيعة بالدفاع، ولم تضمّ التشكيلة الوزارية أي حزبي، بل توزعت الحقائب على الكتل البرلمانية، ووُزّعت الحقائب بعد جمعها في ترتيبٍ مدروسٍ كأنّها تنتظر قوانين دمج الوزارات، بعد انتخاب الجنرال لحود رئيساً، والتزاماً بالورقة الإصلاحية وخطاب قسَم الرئيس، وسياسة التّقشّف التي أعلنها الرئيس الحص، وجاء التوزيع الجديد وفق مصالح الناس أجمعين: الخارجية والمغتربين، الأشغال والنقل، الزراعة والإسكان، الداخلية و الشؤون البلدية، التربية والثقافة والتعليم المهني والتقني، السياحة والبيئة.

 


هذا كان يا سادة يا كرام، في عز الوصاية السورية على لبنان، أمّا في ظلّ الوصاية الإيرانية على لبنان، فيحتاج تأليف حكومة جديدة أشهراً عديدة، وانتخاب رئيس جمهورية جديد لسنواتٍ عديدة، وها نحن على عتبة التّرحّم على عهود الإنتداب والوصاية، ولربما نتحسّر بعد قليل على زمن الإحتلالات.