الجمهورية القوية حائرة، والسلطة السياسية الحزبية هامسة، والقوم يتساءلون عن مصير العهد القوي والجمهورية العتيدة، فتعددت الأهواء والمصائب تتوالى مع النكبات، وأحزاب الدولة كلها نظيفة، تبحث عن الحل، وكلها غير بريئة إذ يرمون فشلهم على بعضهم البعض، والبلد إلى خراب بخراب، وموت بموت، على حاسوب النصر الآتي. 

 


أكثر من أربعين عاماً، لم يتمكن السياسيون في الدولة وأحزاب السلطة من العبور إلى الدولة، ويريدون إقناع الشعب بأنهم يريدون دولة قوية، في وقتٍ تتسارع فيها الأعمار نحو العجز والضياع، حتى أصبح بلداً محتاراً في تحديد هويته، وأصبحنا شعباً محتاراً في تحديد ولاءاته وانتماءاته وأولوياته.

 


ليست مزحة ولا نكتة، ولا مزاحاً أبداً، بأن نصف الشعب اللبناني أصبح من الفقراء ومعظمهم تحت خط الفقر بأمتار، ومنهم جوعى وجياعاً والأرقام مرعبة ومخيفة، ولم يكتفِ أهل السياسة في الأرض وأربابها بذلك، حتى حاصرتنا جائحة كونية كورونيا وزادت الفقر فقراً وارتفع حاسوب الموت المجاني.

 

 

 


عندما استلم الشهيد الحريري الأب (رحمه الله) لبنان البلد، كان شبه مدمَّر، ولم يكن مديوناً بحسب الواقع آنذاك، وإذا كان هناك من ديون فهي لا تقاس بديون اليوم. كان يومها ينظر إليه بعين الثقة، حتى بات بعيون العرب والغرب والأوروبيين بعين الإهتمام والإستثمار، وكانت قضايا البلد من اهتمامهم، وتعاطفهم مع قضية الشعب اللبناني الطالع من حروبه ودماره، وكانت تتدفق عليه الأموال والهبات والمساعدات، حتى وصف لبنان بلد الإعمار في الشرق. بعد عقدين استلم الحريري الإبن ـ الشيخ سعد ـ بلداً على طبق من تسويات عربية وغربية، وغرق البلد في الديون والمحسوبات الحزبية والطائفية،وسيطرت عليها الإختلاسات والسرقات حتى أصبحت مزمنة لا يمكن علاجها، وباتت خطيرة بحيث دخلت إلى عمق الدولة بكل مؤسساتها من كبيرها إلى صغيرها، وتبخرت كل الأموال والهبات التي انهالت على لبنان، واستوطنت في جيوب كل المختلسين والسارقين المتمرسين خلف متاريسهم ومحمياتهم ونفوذهم السلطوية، وتعاقبت الأحزاب في سلطة الوزارات، حتى أهدرت بشكل كامل وأهمها فضيحة الكهرباء في العهود القوية والفهود الضعيفة، والتي صرفت عليها مليارات ومليارات، وبقيت كهرباء لبنان شحيحة وضعيفة، ومهزلة ما بعدها مهزلة، حتى أصبحنا مهزلة العالم.  هذا غيض من فيض، في بلد الطائفية الحزبية والمحسوبية الخوَّاتية. لقد حولوا لبنان بشعبه إلى مزرعة محمية ومنتجة للأغنياء والزعماء في بلد العهد القوي، يسوسها رعيان محنكون ـ كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، لأنَّ القطيع بلا راعٍ كالغنم بلا ... فحل.

 


 نعم لقد أدركنا جميعاً، بأنَّ إلغاء الطائفية السياسية كما نصَّ عليها اتفاق الطائف، هي الحل الأسلم والواقع الحقيقي في هذا البلد، من أجل مجتمع نظيف لا تحكمه العنتريات ولا المذاهب والمحميات والمحسوبيات، لكنها مهمة صعبة إلاَّ أنها ليست مستحيلة، ولكن الطريق إليها صعبٌ وشاقٌ ومزروع بالألغام والشواك، وليس دونه خرق القتاد.