لطالما بنى تيار الجنرال عون مجده الشعبي والإنتخابي على شعارات الإصلاح والتغيير( هذا قبل استبداله بشعار الوطني الحر)، ومحاربة الفساد ونهب المال العام، وملاحقة مُنتهكي السيادة الوطنية والاستقلال، وفي هذه الأُطُر صبّ التيار الوطني الحر جام غضبه على "الحريرية السياسية"، التي كانت في واجهة حقبة الوصاية السورية على لبنان، وتُوجت تلك الحملة المحمومة ضد الحريري الأب وورثته(الرئيسان سعد الحريري وفؤاد السنيورة) بإصدار كتاب "الإبراء المستحيل"، إلاّ أنّ تلك الإدعاءات والإتهامات بحقّ تيار المستقبل(وفيها ما فيها من جوانب الصواب والخطل)، ابتلعها التيار الوطني الحر غداة عقد صفقة التسوية الرئاسية مع الرئيس سعد الحريري قبل أربع سنوات، بمُقايضة واضحة وفاضحة: الرئاسة الأولى مقابل الرئاسة الثالثة.

 

إقرأ أيضا : وزير الصحة..كان حريٌّ بك الهلع والرعب منذ حوالي عام.

 


 اليوم لم يعد ذلك التاريخ ومنعرجاته من هموم اللبنانيين المنكوبين، والغارقين في الفقر والبطالة والجوع والحرمان والإذلال والخوف من المستقبل، بات كلّ همّهم اليوم أن تُؤلّف حكومة جديدة تتولّى مهمة إنقاذ البلد الموعودة قبل الإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إلاّ أنّ الرئيس سعد الحريري الذي توهم منذ أكثر من شهرين أنّه يستطيع العودة إلى السراي الحكومي، وتأليف حكومة إنقاذية من خارج الوسط السياسي الفاسد، إذ به يُواجه بالنّبذ والإزدراء والتّعطيل من قِبل الوزير السابق جبران باسيل( القائم الفعلي بمهام رئاسة الجمهورية)، وآخر الغيث كان اتّهامه بالكذب على لسان رئيس الجمهورية( مُضافاً إليها عدم ائتمانه على شيء على لسان باسيل)، وتهمة الكذب شنيعة جدّاً بحقّ رئيس حكومة مُكلّف، بخلاف تهم الفساد، ذلك أنّ الفساد يعُمّ الجميع من أقطاب  الطبقة السياسية الحاكمة، وبما أنّه بات من شبه المستحيل أن يصعد الرئيس سعد الحريري إلى القصر الجمهوري للقاء الرئيس عون، والخروج ليقول: تشرّفتُ بلقاء رئيس الجمهورية..وكان اللقاء إيجابيّاً، ليلحقه بعد ذلك تصريحٌ لوزير البلاط سليم جريصاتي، يُفصح فيه أنّ اللقاء لم يكن إيجابيّاً ولا ودّياً.

 


وعليه... ماذا ينتظر الرئيس سعد الحريري ليرمي ورقة التكليف في أقرب سلّة مهملات! لماذا لا يستعير النّزر اليسير من جرأة الدكتور مصطفى أديب وآدابه، فيعتذر عن هذه المهمة المستحيلة مع هذا العهد البائس، أمّا الرئيس عون فيستطيع( بعد سدّ أذنيه عن سماع مُستشاريه الأفذاذ وصهره العبقري) أن يجد شخصية وطنية في الوسط السياسي السّني، يمكن لها أن تتولّى مهمة تأليف حكومة جديدة إنقاذية، شخصية لم تتورط فيما سبق بالفساد ونهب المال العام، والصفقات المشبوهة والمناكفات السياسية ولعلّ من بين من يمكن أن تُسند إليه هذه المهمة النّبيلة هو النائب فؤاد مخزومي، بعد الإستبعادات المتتالية للسّفير نواف سلام والنائب محمد الصفدي ورجل الأعمال سمير الخطيب، وآخرهم السفير مصطفى أديب، الذي سرعان ما رمى التكليف عن كاهله، وأعاد كرة النار إلى أصحابها، الذين لا يُحسنون، على ما يبدو، سوى تدمير الوطن وزعزعة كيانه واستقراره ووحدته، بدل إنقاذه والمحافظة عليه.