قبل 8 أيام على مغادرة الرئيس دونالد ترامب البيت الابيض ليحلّ مكانه الرئيس المنتخب جو بايدن، تزدحم التساؤلات عمّا ستكون عليه السياسة الخارجية الاميركية إزاء لبنان والمنطقة على الصعيد الدولي في ظل الادارة الاميركية الجديدة؟

 

يجزم ديبلوماسيون خبراء في السياسة الاميركية انّ الاضطرابات التي تشهدها الولايات المتحدة، عشيّة مغادرة ترامب البيت الابيض، هي مسألة داخلية اميركية وتتعلق بمستقبل الديموقراطية في بلاد «العم سام»، ولا ينتظر انه سيكون لها اي تأثير في المنطقة والعالم.

 

ويرى هؤلاء الديبلوماسيون انّ ما ينبغي تَرقّبه هو ما سيكون عليه الموقف في عهد بايدن إزاء المنطقة والعالم، والذي يتوقع ان يكون مهتماً بالدرجة الاولى بمسقبل العلاقة مع إيران، حيث أعلن بايدن أنه ينوي العودة الى الاتفاق النووي الايراني بعدما كانت قد خرجت منه في عهد ترامب، لكنّ هذه العودة ستكون مشروطة بتحويل هذا الاتفاق مُستداماً بدلاً من ان يكون لفترة زمنية محددة وإدراج الصواريخ البالستية الايرانية ضمنه، وكذلك وموضوع علاقة ايران بدول الجوار وبما تسمّيه واشنطن «الميليشيات المسلحة» الحليفة لطهران، والتي تقصد بها «حزب الله» وبقية فصائل المقامة المسلحة في المنطقة. ولكن في المقابل فإنّ لدى الايرانيين شروطهم، وأبرزها انهم لن يجلسوا الى طاولة المفاوضات مع الاميركيين إلّا بعد رفع العقوبات الاميركية عن ايران، وإن كان البعض يُدرِج هذه الشروط الايرانية في اطار رفع سقف التفاوض المرتقَب بين الجانبين.


 
 

الى ذلك، فإنّ اهتمام بايدن سيتركّز، الى الملف النووي الايراني، على العودة الى المجتمع الدولي الذي كان ترامب قد أخرجَ الولايات المتحدة من بعض مؤسساته، وأبرزها منظمة «الاونيسكو» ومنظمة الصحة العالمية، بالاضافة الى موضوع خَفض ترامب حصة اميركا في موازنة الامم المتحدة، ومعالجة المشكلات التي أحدثتها ادارته مع معظم حلفاء واشنطن على الساحة العالمية. ويهدف من خلال هذا التوجه الى إعادة الولايات المتحدة الى قيادة المجتمع الدولي، ولذلك سيركّز بايدن بالدرجة الاولى على ايران محاولاً التوصّل معها الى اتفاق مُستدام على برنامجها النووي بنسخة معدلة، وهو في التوجّه يلتقي مع ترامب الذي أراد ان يكون الاتفاق مفتوحاً وغير محدد بمدة معينة، على ان تكون الصواريخ البالستية الايرانية ضمنه «لأنها خطرة كونها يمكن تحميلها رؤوسا نووية».

 

ويقول الديبلوماسيون انّ ترامب سعى خلال عهده لجَذب الايرانيين الى طاولة المفاوضات بالضغط والسعي لانتزاع أوراق القوة التي يملكون لفَرض الحل عليهم، ولكنه فشل في هذا الاسلوب مثلما فشل به مع كوريا الشمالية. في حين انّ بايدن، الذي لا يختلف معه على الهدف، سيتعامل مع ايران بأسلوب مختلف وهو الجلوس معها الى طاولة المفاوضات، ما يؤكد من الآن انّ واشنطن وطهران ستكونان في عهد الرئيس الاميركي الجديد امام مرحلة أقل توتراً، ولكنها ستكون صعبة وطويلة في مفاوضاتها التي ربما تمتد الى 7 او 8 سنوات، على غرار مرحلة التفاوض السابقة ايام الرئيس السابق باراك اوباما، حيث لم يحصل الاتفاق النووي إلّا عام 2015 في خلال الولاية الاوبامية الثانية.

 

وفي اعتقاد الديبلوماسيين أنفسهم انّ ترامب يسعى في كل ما يقوم به داخل الولايات المتحدة وخارجها، منذ خسارته في الانتخابات الاخيرة، الى إقفال الطرق امام بايدن، خصوصاً على صعيد المنطقة، لإجباره على السير في عقوبات جديدة ضد خصوم الولايات المتحدة، وعلى رأسهم ايران.

 

ويسأل الديبلوماسيون عمّا يمكن ان يقوم به ترامب في الايام العشرة الاخيرة المتبقية من ولايته التي تنتهي في 20 من الشهر الجاري؟ وهل يمكن ان يُقدم على استخدام الزر النووي او شنّ ضربة عسكرية ما في المنطقة التي كان قد استقدَمَ اليها في الآونة الأخيرة عدداً من قاذفات الـB52 الاستراتيجية؟ فالجمهوريون يقولون ان ليس لديه ثباتاً عقلياً لإمرار الايام المتبقية من ولايته في هدوء. ولذلك، كان تحرّك رئيسة مجلس النواب الاميركي نانسي بيلوسي في اتجاه «البنتاغون» لتحذير أركانه من احتمال استخدام ترامب الزر النووي، وحصلت على جواب من المسؤولين فيه انّ الكونغرس الاميركي لا يمكن ان يوافق على ايّ حرب يرغب ترامب في شنّها. لكنّ الدستور، الذي يجعل من رئيس الولايات المتحدة قائد القوات المسلحة الاميركية، يعطيه صلاحية شنّ مثل هذه الحرب أينما يشاء، ويُطلِع الكونغرس لاحقاً على الاسباب التي أملَت عليه شنّها، مع العلم أنّ المسؤولين في البنتاغون طَمأنوا بيلوسي الى انه لن يستخدم «الزر النووي»، اذ انه في الإمكان تعطيل آلية هذا الامر قبل حصوله، لكنهم قالوا لها انهم لا يضمنون إقدامه على شنّ حرب او توجيه ضربات عسكرية كونه قائد القوات المسلحة من دون منازع، تماماً مثلما شَنّ بعض الرؤساء الاميركيين السابقين حروب فيتنام وأفغانستان والعراق وغيرها من دون اي موافقة مُسبقة من الكونغرس. ويشير الديبلوماسيون الى أنه من المرّات النادرة في الولايات المتحدة الاميركية أن وافقَ الكونغرس مُسبقاً على شنّ حرب، وأنّ غالبية الحروب شُنّت بقرارات رئاسية مباشرة، فالدستور يعطي الرئيس الاميركي حق استعمال الجيش «لأسباب اضطرارية»، وبعد ذلك يُطلِع الكونغرس على هذه الاسباب، ولكن في هذه الايام الاخيرة من ولاية ترامب لا احد يعرف ماذا يَنوي القيام به. ولذلك، تجري محاولات لعزله عبر استخدام الملحق 25 من الدستور، الذي يُجيز لنائب الرئيس وغالبية الوزراء عزل الرئيس تحت عنوان انه بات فاقد الأهلية او غير قادر على الحكم.


 
 

لكنّ الديبلوماسيين إيّاهم يعتقدون انّ ترامب لم يعد في إمكانه شنّ اي حرب خلال الايام القليلة المقبلة، وأنه سيغادر البيت الابيض في 20 الجاري ويتسلّم خلفه بايدن مقاليد الرئاسة، سواء حضر التنصيب او لم يحضر.

 

أمّا في ما يتعلق بما سيكون عليه موقف الادارة الاميركية الجديدة من لبنان وأزماته المتفاقمة، فيقولون: «انّ بايدن، قبل ان يقرر اي شيء، عليه ان يعرف أين لبنان؟ فأهمية هذا البلد بالنسبة للأميركيين في هذه المرحلة تنحصر بموضوع ترسيم الحدود البحرية بينه وبين اسرائيل، والتي كانت المفاوضات قد انطلقت لترسيمها قبل أشهر، قبل ان تتوقف في الآونة الاخيرة بناء على رغبة الوسيط الاميركي فيها. فهذا الترسيم من وجهة النظر الاميركية، اذا حصل، سيتيح للشركات الاميركية العمل في حقول الغاز والنفط في البحر المتوسط ويُريح اسرائيل»، ولذلك سيكون من ابرز الاهتمامات الاميركية في المنطقة.

 

وفي هذه الاثناء يشترط الاميركيون، إزاء الاستحقاق الحكومي، تأليف حكومة لا يشارك «حزب الله» فيها، ولكن هذا الشرط ليس بالدقة التي يعبّرون عنها، وإنما المقصود به ان لا يكون الحزب «مُهيمناً» على القرار فيها بمفرده، مُستشهدين في هذا الصدد بحكومة الرئيس حسان دياب، فهم تعاملوا سابقاً ويتعاملون مع لبنان في حكومات كان يشارك فيها الحزب، ولكنهم لا يتعاملون مع وزرائه فيها.