رغم المخاوف السائدة حيال الانعكاسات السلبية التي قد يشهدها الاقتصاد اللبناني، نتيجة موجة تطبيع العلاقات بين دول عربية واسرائيل، إلّا أنّ الخبراء يقلّلون من خطورة الامر، لأسباب ومعطيات متنوعة، بينها انّ لبنان فقد وظيفته الاقليمية قبل أن يحصل التطبيع.

 

«بيع كتير ورباح قليل»، مقولة يهودية ستضرب الصادرات اللبنانية في الاسواق الاجنبية، بعد عملية التطبيع مع اسرائيل التي بدأتها دول المنطقة، حيث بدأت السلع الاسرائيلية الصنع تجتاح اسواق تلك الدول وتحلّ مكان المنتجات اللبنانية من مختلف الاصناف، الزراعية او الغذائية او الاستهلاكية.

 

قبل التطبيع كانت الصناعة اللبنانية تعاني أساساً من المنافسة التركية والاسرائيلية في الغرب، خصوصاً في الولايات المتحدة وكندا وغيرها من الاسواق الغربية التي تتواجد فيها جالية عربية كبيرة، تُقبل على شراء واستهلاك المنتجات اللبنانية إن وُجدت بشكل كبير، ما دفع احد المصانع الاسرائيلية الى طرح منتج تحمل علامته التجارية شعار الارزة اللبنانية على غلافه، مما يظهره على انّه لبناني الصنع، ويلاقي بالتالي اقبالاً كثيفاً من قَبل المستهلك العربي في الغرب، من دون ان يلحظ انّه اسرائيلي الصنع. مثال آخر على المنافسة وعملية الغش التي تحصل بحق الصناعة اللبنانية، هي علامة تجارية اخرى تركية الصنع تحمل اسم «بيروت»، تجتاح ايضاً الاسواق الغربية ويتمّ استهلاكها بشكل كبير من العرب ظناً منهم انّها لبنانية الصنع.


 
 

وفي حين تصارع الصادرات الصناعية اللبنانية من اجل الحفاظ على مكانتها في الاسواق الخارجية، أتى الاقفال العام اليوم، وعملية التطبيع مع اسرائيل، ليزيدان من شراسة المنافسة التي تخوضها في الخارج، حيث من المتوقع نتيجة التطبيع، ان تغزو المنتجات الاسرائيلية الأرخص سعراً، الاسواق العربية بشكل كبير، وتؤثر سلباً على حجم الطلب والاقبال على المنتجات اللبنانية في الخارج.

 

وإذا كان حجم الصادرات الصناعية اللبنانية يبلغ 3 مليارات دولار سنوياً، فإنّ هذا الرقم مرجّح للانخفاض، مع ارتفاع حجم التبادلات التجارية مع اسرائيل وانفتاح اسواق الخليج عليها نتيجة التطبيع معها.

 

من جهة اخرى، لن تقتصر التداعيات السلبية لعملية التطبيع على الصادرات اللبنانية فقط، بل انّ اللبنانيين العاملين في دول المنطقة، ينتابهم القلق والخوف من ان تترافق عملية التطبيع، مع تنفيذ أجندة اسرائيلية للقضاء على القوى العاملة اللبنانية هناك واستبدالها بقوى عاملة اسرائيلية، او حتى اعطاء الاولوية في التوظيف للاسرائيليين بدلاً من اللبنانيين. بالإضافة الى ذلك، يتخوّف اللبنانيون العاملون هناك من حتمية التعامل مع مؤسسات تجارية واستثمارية، او حتى افراد اسرائيليين سيتواجدون في هذه الدول، نتيجة الاتفاقات التجارية العديدة الموقّعة بين الطرفين بعد عملية التطبيع، مما سيتسبب لهم بالإحراج ويؤثر على سير اعمالهم التجارية والاستثمارية.

 

في هذا الاطار، أكّد الباحث في «المؤسسة الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، انّ العامل النفسي سيلعب دوراً رئيساً من ناحية العلاقات بين الشعبين الاسرائيلي والعربي، موضحاً لـ«الجمهورية»، انّ تخطّي هذا الامر يحتاج الى اجيال واجيال لبناء الثقة المطلوبة بين الشعوب والمؤسسات التجارية الاسرائيلية.

 

واستبعد شمس الدين توجّه الاسرائيليين للعمل في دول الخليج او الدول العربية، أوّلا بسبب توفّر فرص العمل في اسرائيل، وثانياً بسبب عدم إتقانهم للغة العربية، معتبراً انّه لن يكون هناك منافسة من اليد العاملة الاسرائيلية.

 

وبالنسبة لمنافسة المنتجات الاسرائيلية، اشار الى انّها كانت متواجدة أصلاً في الاسواق الخليجية والعربية على انّها سلع فلسطينية من غزة او من الضفة الغربية، إلّا انّها فعلياً صناعة اسرائيلية، وبالتالي فإنّ المنافسة مع المنتجات اللبنانية قائمة قبل التطبيع، خصوصاً في ما يتعلق بالخضار والفواكه.


 
 

واشار الى انّ الحديث عن منافسة مرفأ حيفا لمرفأ بيروت إثر عملية التطبيع أمر غير منطقي، لأنّ مرفأ بيروت لم يعد منذ 20 عاماً يتمتع بدور اقليمي، بل أصبح يخدم لبنان وسوريا فقط، خصوصاً انّ الدول العربية أنشأت مرافئها وشبكات مواصلاتها واستغنت عن مرفأ بيروت.

 

في المقابل، رأى شمس الدين، انّ التحدّي الاكبر والتأثير السلبي الجدّي لعميلة التطبيع متعلّق بالقطاع السياحي في لبنان، حيث ستضاف وجهة سياحية عربية جديدة منافسة للبنان، مما سيُخسره جزءاً من سياحة العرب الذين اعتادوا زيارته في الظروف الطبيعية. متوقعاً ان تفقد السياحة اللبنانية حوالى 50 في المئة من السياح العرب الذين سيستبدلون لبنان بإسرائيل كوجهة سياحية. مع الاشارة الى انّ السياحة العربية التي كانت قائمة في السابق الى لبنان ومصر، تبدّلت مع اضافة تركيا كوجهة سياحية منافسة. واليوم مع اضافة اسرائيل سيفقد لبنان تدريجياً آخر ميّزاته التي كانت تساهم في تدفق جزء من العملات الصعبة الى البلاد.

 

بدوره، اكّد الباحث في مركز «كارنيغي» للشرق الاوسط مهند علي حاج، انّ عملية التطبيع لن تنعكس على اقتصاد لبنان، لأنّ حجم الاقتصاد صغير وهو اقتصاد معدوم حالياً. موضحاً لـ«الجمهورية»، انّ عدد اللبنانيين العاملين في دول الخليج التي قامت بالتطبيع مع اسرائيل، عدد زهيد، خصوصاً في البحرين، وبالتالي لن يؤثر بشكل كبير عليهم.

 

في المقابل، رأى علي حاج، انّه في ظلّ غياب الرؤية المستقبلية للطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، واستمرار الوضع على ما هو عليه اليوم، فإنّ لبنان سيخسر العديد من الفرص في المستقبل، ولن يكون مركزاً لحركة الترانزيت في المنطقة كما يطمح شعبه، كما سيخسر دوره الخدماتي والسياحي.