لماذا المحاولات لبعض الدول والقوى أن يتلاعبوا في النسيج الإجتماعي؟ ماذا فعلت الدولة اللبنانية اتجاه مواطنيها وطوائفها على حدٍ سواء؟ كأن المشكلة في الثنائي الشيعي اللبناني؟. لأنه يمثل عموم الشيعة في لبنان، ماذا قدَّمت تلك القوي الغير شيعية من أجل النهوض بدولةٍ قوية تبسط سيادتها وهيبتها على كافة أراضيها، ولماذا لا تتسائلون من أنَّ الأكثرية الشيعية تنظوي تحت الثنائي الشيعي، إلاَّ بسبب الإهمال المتعمد للقمة العيش الذي يعيشه شعبنا في هذا البلد. فبدل الخوض في تقوية حزب الله وسيطرته، كان الأجدى بالحريص على إقامة دولة حرة وذات سيادة مستقلة، أن تعمل بشكل جدي في تقوية البنيان الأساسي للكيان اللبناني ودعم الشيعة من أجل عدم إنطوائهم وانظوائهم للخارج.
 

لم يعد خافياً على أحد، من أنَّ إيران أصبحت المرجعية الدينية والسياسية للشيعة ـ عموماً ـ في عالمنا العربي والإسلامي، لسبب بسيط وواضح، هو أنَّ سياسات الإهمال والتقصي غالباً في الدول العربية والإسلامية، وتاريخياً في لبنان، مما أدَّى إلى تحويل الشيعة بشكلٍ عام إلى معارضة، ويؤكد ذلك عندما ظهرت تداعيات وظروف القهر الدموي للإنفجار السياسي في التاريخ الإسلامي وخصوصاً القهر الدموي الأموي الذي مارسته الدولة الأموية بلا هدنة دامت عشرات بل مئات السنين في مواجهة الشيعة، مروراً بثورة كربلاء الحسين (ع)، الذي ولَّد عاملاً أساسياً وحاسماً في توليد تيارات سياسية شيعية ذات طابع إعتراضي، ومعارض للسلطة القمعية الدموية التي استأثرت بفيء ومقدارات المجتمع بشكلٍ عام، وللشيعة على وجه التحديد.

 


لا أدري؟. لماذا نجتر سياسة التاريخ الإقصائي، وكأنك تشعر بأنَّ الشيعة بشكلٍ عام في لبنان وفي عموم الخليج العربي، هم فلول، وسبب من أسباب إنهيار الأوطان، ولا يريدون قيام دولة وقانون، وفي بعض الدول هم على الهامش، في الوقت الذي هم فيه أكثرية ومواطنين ينتمون إلى وطنهم ودولهم،ويتطلعون إلى حكومات تعمل على معاملتهم كأبناء جلدتهم من الدرجة الأولى، لا مواطنين هوامش، بل دمجهم في هيكل الدولة وركناً من أركانها وأعمدتها.
لا نريد التدخل في شؤون الدول التي يتواجد فيها شيعة، بقدر ما نريد أن يكونوا جزءاً أساسياً في تحصيل حقوقهم ومواطنيتهم على أساس حضورهم في عقل وقلب الدولة، وحقهم في تصميم القرار السياسي للدولة. والمطلوب الآخر هو الإهتمام الجدي في عيشهم وعدم الإهمال الذي يؤدي إلى أي إرتباط بالخارج مما يعكس على سياسة الدولة وهيبتها.


هذا بشكلٍ عام، حول الأوضاع التي تعيشها الطائفة الشيعية في معظم بلدانهم ودولهم، وإلاَّ سنبقى نسمع بأنهم خارج أوطانهم ودولهم، ومشروعهم أكبر من دولة هنا، أو جمهورية هناك؟. 

 


عندما نرى الشيعة في بلدانهم، نراهم يُساهمون كغيرهم، وساهموا مساهمة جليلة وكبيرة للدفاع عن أرضهم وعرضهم وبلدهم، فسمة الولاء عند الشيعة هي ولاء الأوطان، هم حاربوا الإنكليز في العراق، وقاوموا الإحتلال الفرنسي في لبنان، وهم ضحوا كثيراً وما زالوا في سبيل القضية الفلسطينية، وهم فضَّلوا الإنطواء تحت لواء المملكة العربية السعودية بقيادة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ  ولم يعلنوا دولة بإسمهم في جزيرة العرب. وفي تسعينيات القرن الماضي، عندما احتل النظام العراقي السابق دولة الكويت، قدَّم أبناء الشيعة كما غيرهم، وخصوصاً أهل السنة الكرام، قدَّموا جميعاً كمواطنين، الكثير من التضحيات والشهداء والدماء، واختلطت دماؤهم ببعض، دفاعاً عن الوطن والدولة والشعب، وفي البحرين صوَّتوا بأغلبيتهم من شيعة وسنة، مع الإستقلال والعروبة، وازداوا قوة بعد انتصار إيران الثورة الإسلامية، وأيضاً مقاومتهم للعدو الإسرائيلي، عندما أعلن أمامها السيد موسى الصدر بأنَّ الجنوب احتلت بسبب تآمر دولي وإهمال عربي، وأنَّ مسؤولية إزالة هذا العدو هي مسؤولية لبنانية بالدرجة الأولى، لأنَّ إسرائيل ودخولها أراضينا واحتلالها، لها أطماع وأبعاد عدة: منها طمع في الأرض، طمع في المياه، طمع في القلاع، طمع في الثروات، طمع في الآثار التاريخية، طمع في التوسع، كل هذا معروف، ذات مطامع استيطانية طائفية معروفة أيضاً، وهناك مطامع استيطانية عربية ناتجة عن الكسل والفرار من الموقف والفرار من المسؤولية، الأرض معرضة للاستيلاء، الغياب عن الأرض يهدد الأرض، وهذه هي المصيبة الثانية. فالمحنة في لبنان لا تعالج إلا إذا أعطينا للمواطن مجاله وطموحه، وللوطن بعده القومي، وللإنسان دوره الرسالي، فعلى المسؤولين أن يعرفوا واقع هذا الشعب، والأرض والتاريخ، ويضعوا النظام الجديد على أساس هذا الواقع، وإلاَّ فالكوارث تتجدد والمستقبل بظلامٍ دامسٍ وظلمٍ دائم.

 

 

إقرأ أيضا : تجار أزمات ومتعهدي قتل...!

 


ماذا حدث بعد ذلك؟ لماذا المحاولات لبعض الدول والقوى أن يتلاعبوا في النسيج الإجتماعي؟ ماذا فعلت الدولة اللبنانية اتجاه مواطنيها وطوائفها على حدٍ سواء؟ كأن المشكلة في الثنائي الشيعي اللبناني؟. لأنه يمثل عموم الشيعة في لبنان، ماذا قدَّمت تلك القوي الغير شيعية من أجل النهوض بدولةٍ قوية تبسط سيادتها وهيبتها على كافة أراضيها، ولماذا لا تتسائلون من أنَّ الأكثرية الشيعية تنظوي تحت الثنائي الشيعي، إلاَّ بسبب الإهمال المتعمد للقمة العيش الذي يعيشه شعبنا في هذا البلد. فبدل الخوض في تقوية حزب الله وسيطرته، كان الأجدى بالحريص على إقامة دولة حرة وذات سيادة مستقلة، أن تعمل بشكل جدي في تقوية البنيان الأساسي للكيان اللبناني ودعم الشيعة من أجل عدم إنطوائهم وانظوائهم للخارج. 

 


لا أحد لديه شيء من التعقل والعقل أن يدخل الجدل من الناحية العقيدية، لأنَّ العقائد هي مسؤولية الفرد وعلاقته بربه، وعلى مرِّ التاريخ كان الشيعة يعتمدون بالرجوع في الأمور الدينية إلى مراجعهم في العالم، ويستندون على فتاواهم في شؤونهم الدينية، سواء في إيران أم في العراق، أم غيرهما، وهذا ليس بجديد، فطوال عمر الطائفة الشيعة هكذا يعتمدون بالرجوع إلى مراجعهم وفقهائهم، والخلاف الفقهي موجود منذ قرون وقرون، فلن ينفع فيه أي تعصب أو تشنج من هنا أو هناك، فالأفضل التعايش معه في عملية التطور والمواطنة الحديثة. وهذا أمرٌ لا جدال فيه، لطالما كل الطوائف الدينية اللبنانية كانت تاريخياً ترجع إلى رموزها الروحيين والدينيين في أمورهم الدينية الخاصة، وكل ذلك لا يكون على حساب الدولة وسياستها.

 


إنَّ هذه المحاولة هي أشبه بالتدليس. وأخطر ما يمكن أن يحصل ـ وهو حاصل في بلدنا العزيز لبنان ـ للنسيج اللبناني الإجتماعي، واللعب على المشاعر، أٌقلية هنا، وأقلية مهمَّشة، وأكثرية مسحوقة، ما هو إلا تدليس سياسي إفلاسي.
أخيراً، سأقولها بكل صراحة، إنَّ حزب الله يعلنها بوضوح، بأنه ينتمي إلى المرجعية الدينية الإيرانية، وإن توافقت سياسته بسياستها، لأنه في السياسة اللبنانية يكتسب من كل الطوائف الغير شيعية، فله قسمٌ كبير من السنة والمسيحيين يؤيدون سياسته ومشروعه، وخصوصاً في سياسة مقاومته، ولا يتفقون معه في المرجعية السياسية الخارجية الإيرانية، ويتعاطفون معه ويؤيدون مشروعه المقاوم ضد العدو الإسرائيلي، وهذا أمر سياسي لا أمر طائفي أو مذهبي، والأغلبية من السنة والشيعة والمسيحيين لا تروق لهم سياسة إيران الحالية وطريقة التعبير عنها، وهذا أمر مسموح به، ويعتبرونه تدخلاً في شؤونهم. لكي لا نطيل الكلام أكثر، فبيت القصيد من ذلك كله، إنَّ الشيعة في عموم الخليج العربي وفي لبنان تحديداً، هم أتباع العرب وأئمتها، وهم مثقفون بمستوى رفيع يستحقون الإهتمام وعدم التغاضي والإغفال، ولا يمكن شراؤهم وشراء ولائهم لأي دولة خارجية، ولأي قوة أجنبية، خارج سياج وحدود وطنهم، فما عليكم إلا التنبه والتنبيه لكل هذه الأمور التي سلفت، وتعملون على أساسها وفي ضوئها من أجل إعادة بناء سلطة ذات ضمير لبناني، ودولة قوية من أجل الحفاظ على كل أبناء الطوائف في النسيج الإجتماعي اللبناني ..