نزل الأعرابيُّ إلى السوق، فشاهد الناس وهم يبيعون ويشترون، ويلحنون في كلامهم، وبما أنّ اللّحن في اللغة عند الأعراب يعني الإضطراب والخُسران، إذ به يُفاجئ بأنّهم يلحنون ويربحون، فقال القول المشهور: يا سبحان الله يلحنون ويربحون، وكان حُكم السارق فيما مضى أن تُقطع يده ( حسب الشرع الإسلامي)، أو يُحبس أو يُنفى أو ما شابه ذلك في أحكامٍ مُتفرّقة، إلاّ أنّ حُكام لبنان ومسؤوليه يسرقون وينهبون بلا هوادةٍ ولا انقطاع، بلا حسيبٍ أو رقيب، ولا من يقطع يداً أو يحُزّ رقبة، ولا يفتح سجناً أو يُسيّر إلى منفى، ويمرّون على حديثٍ نبويٍّ مشهور: لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها، في حين أنّ العِبرة والحكمة والصلاح لا يقتصر فقط على هذا القول دون إسناده إلى الرواية الكاملة والوصول إلى الحقّ وعين الحقّ، فقد قال عروة بن الزبير: أنّ امرأةً سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه، قال عروة: فلمّا كلّمه أسامة فيها،  تلوّن وجه رسول الله، فلمّا كان العشيُّ قام رسول الله خطيباً وقال: أمّا بعد...فإنّما أهلك الناس قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، والذي نفس محمدٍ بيده، لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها، ثمّ أمر بتلك المرأة فقُطعت يدها.


هكذا للأسف الشديد، ما يحصل عندنا في لبنان منذ عقودٍ خلت، يسرق " الشريف" فيزداد عزّةً وشرفاً، ويسرق الضعيف فيُقامُ عليه الحدّ ويُحشر مع أقرانه في زنزانات سجن رومية، وتعجبون بعدُ لماذا هلك الناس وهلك الزّرع والضّرع.