صعدت أسعار البتكوين (Bitcoin) صعودا مذهلا من حوالي 6 سنتات -قبل 11 عاما تقريبا- إلى ما يزيد عن 34 ألف دولار أميركي مطلع هذا العام، لتسجل بذلك أعلى مستوياتها على الإطلاق.

وارتفعت أسعار البتكوين بما يزيد عن 300% خلال العام الماضي، و50% في الشهر الماضي، و10% في الأيام الأولى لهذا العام فقط.


وحيث إن أعداد وحدات البتكوين المتداولة تبلغ حاليا 18 مليونا و590 ألفا و169 وحدة تقريبا، وأخذًا في الاعتبار قيمة البتكوين عند أقصى ارتفاع لها هذه الأيام، فإن القيمة السوقية للبتكوين تزيد عن 630 مليار دولار أميركي، لتتجاوز بذلك قيمة شركات مالية عريقة مثل فيزا (Visa) وماستركارد (Mastercard) وباي بال (PayPal)، بل تتبوأ البتكوين المركز التاسع عالميا من حيث القيمة السوقية.

وفيما يلي أسباب هذا الصعود المدوي للبتكوين في الآونة الأخيرة:

 

التخوف من انخفاض قوة الدولار الشرائية

اعتمدت الولايات المتحدة أواخر العام الماضي حزمة تحفيز اقتصادية تقدر بقيمة 900 مليار دولار، وذلك بعد أن اعتمدت مبلغ 2.2 تريليون دولار مع بدء تفشي جائحة كورونا في مارس/آذار 2020، ليصل إجمالي حزم التحفيز إلى 3.1 تريليونات دولار، وذلك للتعافي من آثار كورونا على الاقتصاد.

أثار هذا المبلغ الضخم مخاوف المستثمرين من ارتفاع التضخم وتدني قيمة الدولار وانخفاض قوته الشرائية، مما دفعهم إلى الاندفاع لشراء البتكوين تخزينا للمال وحفظا للقيمة وتحوطا ضد أي انخفاض مستقبلي للدولار.

 


وعلى عكس العملات الورقية كالدولار التي يمكن طباعتها وقتما تشاء الحكومات والبنوك المركزية بغض النظر عن نمو السلع والخدمات المتوفرة بالسوق من عدمه مما قد يترتب عليه ارتفاع ملحوظ في التضخم وازدياد حاد في الأسعار، فإنه من الاستحالة طباعة أي كميات إضافية من البتكوين التي تقاوم التضخم بشكل تلقائي وتمتاز بالندرة كمعدن الذهب، إذ لا يمكن أن يتجاوز إجمالي المعروض النقدي من البتكوين 21 مليون وحدة متداولة، وهو الرقم الذي لا يمكن أن يتحقق إلا عام 2140.

 

تضمن قوانين الرياضيات والبرمجيات إمدادا ثابتا ومخططا له من إصدارات البتكوين الجديدة، إذ يتم حاليا -في إطار ما يعرف بمكافأة التعدين- إصدار 6.25 بتكوينات جديدة مرة واحدة كل 10 دقائق في المتوسط، مما يسمح بالتحكم في المعروض النقدي من هذه العملة، وبالتالي السيطرة على التضخم.

 

ولضمان عدم الوصول للسقف الأعلى من أعداد البتكوين المتداولة إلا بعد مضي 119 عاما، فإن مكافأة التعدين يتم خفضها إلى النصف مرة كل 4 سنوات تقريبا، حيث كانت قيمتها عند بدء تداول البتكوين 50 بتكوينا، أما المكافأة الحالية فأصبحت 6.25 بتكوينات اعتبارا من عام 2020.

 

 

نمو الاستثمار المؤسسي

تزايد مؤخرا استخدام البتكوين كأصل من الأصول وكمخزن لحفظ القيمة والمال، مما دفع العديد من الأشخاص والمؤسسات للاستثمار في هذه العملة.

 

ويعزو العديد من المحللين أسباب هذا الصعود الهائل في قيمة وأسعار البتكوين إلى الاستثمار المؤسساتي الضخم في هذه العملة الرقمية، بعد أن اقتصر الاستثمار فيها في الماضي على الأشخاص الهواة وصغار المستثمرين لا سيما في ظل الأنظمة والقوانين والتشريعات التي كانت تحد من انخراط كبار المؤسسات المالية في البتكوين.

 

وذكرت صحيفة فايننشال تايمز (Financial Times) أن شركة إدارة الاستثمار "رافر" (Ruffer) ومقرها بريطانيا، قد استثمرت حوالي 745 مليون دولار في البتكوين منذ تشرين الثاني 2020، وهو ما يمثل حوالي 2.7% من الأصول المدارة للشركة حينئذ.

 

 

تحفيز الاستخدام بوصفه وسيلة دفع

شكل إعلان شركة "باي بال" السماح لعملائها باستخدام العملات المشفرة في عمليات البيع والشراء قفزة معنوية هائلة للبتكوين، الأمر الذي ضاعف الطلب عليها مؤديا لارتفاع أسعارها.

 

واعتبارا من هذا العام، سيتمكن مستخدمو الشركة من استخدام البتكوين لإجراء عمليات شراء من شبكتها التي تضم أكثر من 26 مليون تاجر.

 


ومن أجل تجنب تذبذب الأسعار الشديد في البتكوين، فعندما يرغب العميل في استخدام عملة البتكوين للدفع ستحوّل الشركة البتكوين على الفور إلى عملة ورقية وستتم تسوية المعاملة مع التاجر باستخدام هذه العملة التقليدية كالدولار مثلا.

 

 

تطور الجانب التنظيمي

يرى بعض المحللين أنه من أجل توفير بيئة مستدامة للبتكوين وتنمية أنشطتها، وتوفير مظلة حماية قانونية للمتعاملين بها، فإنّه لا بد من سن تشريعات تنظيمية تؤطر استخدام البتكوين وتنظم عملية مزاولة الأنشطة المتعلقة بها.

وفي هذا الإطار، أعلنت سلطات ولاية نيويورك المالية عن إطلاق ترخيص يعرف بـ"Bitlicence"، الذي يرمي إلى تقنين وتنظيم نشاط مزاولة العملات المشفرة بشكل عام، وعلى رأسها البتكوين.

ومن هذا المنطلق، يتوجب على المؤسسات والشركات الراغبة مثلا في إنشاء بورصات تبادل البتكوين بولاية نيويورك الحصول على هذا الترخيص أولا.

ومؤخرا، سارعت بعض الدول إلى تقنين عملة البتكوين، بل أعلنت بعض البنوك المركزية مؤخرا عن إطلاق عملاتها الخاصة المشفرة باستخدام تقنية "بلوك تشين" (Blockchain) (سلسلة الكتل).

وساهمت إجراءات التقنين والتنظيم هذه في رفع معدل الثقة لدى المتعاملين والمستثمرين بالبتكوين، مما فتح الباب واسعا أمام تدفق رؤوس الأموال الهائلة من قبل مؤسسات الاستثمار المختلفة وكذلك صناديق التحوط والتقاعد للاستثمار بالبتكوين.

 

 

صعود ضرائب البتكوين

بعد فك ارتباط الدولار بالذهب أصبح الضامن الوحيد لقيمة الدولار هو الحكومة الأميركية والبنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي، وقد كانت إحدى الحجج الرئيسية لمناصري العملات الورقية هي أن الحكومات تقبل -بل تفرض- أن يتم دفع الضرائب باستخدام العملات الورقية القانونية -غير المدعمة بمعدن نفيس كالذهب- كالدولار مثلا، الأمر الذي ساهم في خلق طلب على هذه العملات الورقية، وساهم في استقرار قيمتها عبر السنين.

بالمقابل، فقد تمكن أيضا قراصنة الإنترنت عبر السنوات الأخيرة من فرض دفع الفدية على ضحاياهم باستخدام عملة البتكوين، الأمر الذي أدى إلى صعود ما أصبح يعرف بضرائب البتكوين، والتي أضحت تنافس بل توازي الضرائب الحكومية، الأمر الذي أسهم أيضا في خلق طلب إضافي على البتكوين وساهم في ارتفاع أسعارها.

 

 

عثرات العملات المنافسة

في حين تعد البتكوين أكبر العملات المشفرة في العالم، تعد عملة "إكس آر بي" (XRP) ثالث أكبر عملة مشفرة في العالم.

 

ونقلت وكالة بلومبيرغ (Bloomberg) أنه في أواخر العام الماضي، وجهت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية اتهاما إلى شركة "ريبل لابس إن" (Ripple Labs In) -المالكة لعملة إكس آر بي- وكبار مسؤوليها التنفيذيين بتضليل المستثمرين في "إكس آر بي" من خلال بيع ما قيمته أكثر من مليار دولار من هذه العملة دون التسجيل لدى اللجنة، وتمت إحالة الشركة إلى القضاء.

 


وقد أدى هذا الإجراء القانوني إلى زعزعة الثقة لدى المتعاملين بعملة إكس آر بي، مما أدى لانخفاض قيمتها بشكل فوري بنسبة تقارب 16%.

بالمقابل أدى هذا الإجراء أيضا إلى هجرة المستثمرين من هذه العملة باتجاه البتكوين، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع الطلب على البتكوين ومن ثم ارتفاع أسعارها.