كتب منير الربيع في "المدن": يسجّل لرئيس الجمهورية ميشال عون، أنه أول رئيس ماروني لا يشارك في قداس عيد الميلاد في الصرح البطريركي، في بكركي.

 

وعزا عون السبب إلى ظروف جائحة كورونا. لكن الأمر لم يمرّ في دوائر الصرح، التي تضع التغيّب الطوعي في إطار الأسباب السياسية.


 
 

وهذا يذكر بالرئيس الراحل سليمان فرنجية عندما قاطع مرة قداس الميلاد في الصرح، وكان على خلاف مع البطريرك المعوشي آنذاك. لكن مقاطعته لم تكن ذريعتها الخلاف المباشر مع البطريرك، بل جاءت نتيجة سابقة حصلت عندما أراد زيارة دار الفتوى، فرفض مفتي الجمهورية استقباله حينها، فأتخذ فرنجية الأمر ذريعة لمقاطعة رجال الدين.

 

الاستعصاء العوني

أما غياب عون عن القداس فأسبابه سياسية وكثيرة، خصوصاً الموقف الذي أطلقه البطريرك الراعي يوم الخميس 24 كانون الأول، وحمّل فيه مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة لرئيسي الجمهورية والحكومة معاً.

 

والراعي في موقفه هذا تدعمه شريحة واسعة من اللبنانيين. والفاتيكان أيضاً أرسل رسالة ميلادية للبنان واللبنانيين، ركزت على ضرورة الحفاظ على رسالة العيش المشترك. وهذه العبارة وردت 3 مرات في الرسالة الفاتيكانية، فاعتبرها الراعي داعمة له في مواجهاته نزعات مسيحية تذهب نحو الفيدرالية أو التقسيم، وناجمة عن استعصاء سياسي يتصدره عون والعونيون الموارنة، ويؤدي إلى خسارتهم امتيازاتهم في حال التوجه نحو صيغة المثالثة.

 

الفاتيكان وبكركي

تتجاوب رسالة الفاتيكان مع رسائل كثيرة بعثها الراعي إلى الحاضرة المقدسة، وبعد زياراته المتكررة للحاضرة الكاثوليكية وتوجيهه دعوة للبابا فرنسيس لزيارة لبنان. وفي هذا الإطار يبرز تحرك البطريرك في سبيل الحفاظ على لبنان النموذج. وهو اعتبر في قداس الميلاد صباح يوم الجمعة، أن هذا النموذج اللبناني مستهدف. وسببه العبثية السياسية التي يمارسها العهد أو خصومه، وتؤسس لانهيار كل شيء يرمز إلى لبنان الكبير والمناصفة والامتيازات المسيحية على المدى البعيد.

 

وكان عون يحاول استمالة الراعي إلى صفه في مواجهة سعد الحريري. وهذا وتر لعب عليه الصهر العوني جبران باسيل إلى حدّ بعيد، خلال زيارته بكركي. فاعتبر أن عرقلة تشكيل الحكومة هدفها الدفاع عن حقوق المسيحيين، وتثبيت مبدأ شراكة الرئيس المسيحي في تشكيلها واختيار الوزراء من كل الطوائف.

 

بدا الراعي متفهماً لهذا الطرح. لكن همّه الأكبر تشكيل حكومة، وعدم فرض قواعد لا تنسجم مع الدستور ولا مع الواقع السياسي القائم. لذا انتقد مسألة الثلث المعطل أو تكريس أعراف جديدة. وموقف الراعي في يوم الخميس دفع عون إلى إعلان التغيّب عن القداس بسبب جائحة كورونا. لكن قوى سياسية مسيحية تجزم أن عون لم يحضر القداس بسبب موقف الراعي، الذي حمّله بشكل أو بآخر مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، عندما قال: "لم نجد مبرراً لدى الرئيسين لعدم تشكيل الحكومة".


 
 

وكان الراعي قد أطلق مبادرة أُفشِلت. لذا قال في قداس الميلاد: "لكم تمنينا على فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس المكلف أن يشكلا فريقاً واحداً يعلو على جميع الأطراف ويتحررا، ولو موقتاً، من جميع الضغوط ويتعاونا في تشكيل حكومة اختصاصيين غير سياسيين. فيكسبان ثقة الشعب والعالم وينهضان بلبنان، ويصبحان مضرب مثل في تجديد الشراكة الوطنية. لكن تمنياتنا اصطدمت بابتداع البعض شروطاً لا محل لها في هذه المرحلة، ولا مبرر لها في حكومة اختصاصيين. فلا بد من مصارحة الشعب التي هي ميزة المسؤولين في الأزمات المصيرية. وأي أزمة أعظم من هذه الأزمة؟".

 

معركة عون: لا يريد الحريري

يهدف شطر من موقف عون في تغيبه، إلى الرد على الراعي الذي يحاول أن يلعب دور الوسيط بينه وبين سعد الحريري. فعون في الأساس لا يريد الحريري رئيساً للحكومة.

 

فمن استبعد بناته كرمى لعيني صهره، لن يتنازل للحريري أو لغيره في هذه المعركة التي يبدو أنها ستطول وتؤدي إلى مزيد من الأزمات.

 

لكن مقاطعة عون بكركي، ومواقف الراعي والفاتيكان، لا بد لها أن تتوازى وتتقاطع مع مواقف قوى مسيحية أخرى في مواجهة رئيس الجمهورية.

 

وهذا يؤسس لتغير جوهري وواسع في الرأي العام المسيحي.