خرج رجلان من خراسان إلى بغداد في مُتّجرٍ لهما، فمرض أحدهما، وعزم الآخر على الرجوع، فقال له: ماذا أقول لمن يسألني عنك؟ قال، قل لهم: لمّا دخل بغداد اشتكى رأسه وأضراسه، ووجد خشونةّ في صدره، وكِبراً في طحاله، وضرباناً في كبده، وورماً في رُكبتيه، ورعشةً في ساقيه، وضعفاً عن القيام على رجليه، فقال رفيقه: بلغني أنّ الإيجاز في كلّ شيئٍ ممّا يُستحب، وأنا أكره أن أُطيل عليهم، لكنّي أقول لهم: يقول بأنّه...مات.

 

إقرأ أيضا : لا أحد يتعب قلبه، لا حكومة قبل إشارة وليّ الأمر

 


بعد أن "انتشر" اللبنانيّون في أصقاع الأرض طوعاً أو قسراً (يبدو أنّ الوزير جبران باسيل كان على صواب عندما عزم استبدال لقب المغترب بالمّنتشر)، حتى باتوا أغلبية، وعند اتّصالهم بذويهم المقيمين في لبنان، أول سؤالٍ يطرحونه هو: كيف أحوال البلد، وذلك قبل السؤال عن الأهل والأقارب والأصدقاء؟ ويأتي الجواب غالباً مُفعماً بالحنين، ممزوجاً بالمرارة والأسى: أحوال البلد من سيّئٍ إلى أسوأ، أي "زفت" كما يُشاع على ألسنة الناس أجمعين، لماذا؟ سألتني لماذا، حسناً، في ظلّ هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي تحكم هذا البلد المنكوب، لا كهرباء، لا ماء ولا طرقات ولا مستشفيات ولا جامعات ولا مدارس، ولا أدوية ولا أمن ولا أمان، ولا دستور ولا قانون، لا قضاء ولا حكومة ولا مجلس نيابي، رئاسة الجمهورية برأسين، رئاسة الحكومة بلا رأس، تسألني عمّا يوجد عندنا الآن، عندنا بِطالة، وعندنا فساد، وعندنا إفلاس، عندنا من يحمل دولار ( في جيبه لا في المصرف) يعيش في جنّات النعيم، أو هل تعرف ما يمكن أن يُقال تجنُّباً للإطناب، وتوخّياً للإيجاز، في ظلّ هذه الطبقة السياسية الفاسدة..لبنان...مات.