كل هذه الإشكالات ستؤسس إلى مزيد من التشنج، الذي قد ينفجر مستقبلاً في الشارع، مستفيداً من استعصاء الملف الحكومي وعدم القدرة على تحقيق أي خرق. حتى المبادرة التي قام بها البطريرك الماروني بشارة الراعي اصطدمت بالحسابات الطائفية والمذهبية، إما بالدفاع عن الصلاحيات أو عن حقوق المسيحيين والشراكة.
 

مع كل بارقة أمل بالتوصل إلى حلحلة في الملف الحكومي تشتعل حرب البيانات المتقابلة بين بعبدا ميرنا الشالوحي من جهة، وبيت الوسط من جهة ثانية، لتقضي على أي احتمال بإيجابيةٍ ما توصل الى تأليف الحكومة. جيث بات من المؤكد أن العام الحالي سيطوي صفحته من دون أي انفراجات على اللبنانيين، لا سيما على صعيد تأليف الحكومة التي يُنظر اليها كمدخل لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية المستفحلة. أعاد إلغاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، زيارته إلى لبنان بسبب إصابته بفايروس كورونا المستجد ملف تشكيل الحكومة اللبنانية إلى الواجهة وبقوة لكن دون أي مستجد بشأنها، ما يغذي استياء باريس من أجندات سياسيّي لبنان الذين دخلوا دائرة الاتهامات بشأن مسؤولية تعطل مشاورات تشكيل الحكومة.

 

 

وفي هذا السياق سبق وقد عبر وزير الخارجية الفرنسي لودريان من حوالي اسسبوع في تصريح لجريدة لوفيغارو الفرنسيّة، عن تشاؤمه حيال الوضع اللبناني مشبّهًا إيّاه بسفينة تيتانيك لكن من دون الأوركسترا
حكوميًا، لم يفلح دخول البطريرك الماروني بشارة الراعي على خط الوساطة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري في حلحلة العقد المستحكمة، إذ أوكل عون إلى رئيس التيار الوطني جبران باسيل توضيح الأسباب الحقيقية التي تعيق تشكيل الحكومة، مع الإشارة إلى أن الراعي كان أقرب الى رؤية الحريري بحكومة تراعي المبادرة الفرنسية مؤلفة من اختصاصين غير حزبيين، ولا تضم الثلث المعطل، في المقابل اصطدم الراعي برؤية باسيل الرافضة لهذه الصيغة، باعتبار أنها تكرس استفراد الحريري ولا تحقق مشاركة رئيس الجمهورية.

 

 

التيار الوطني الحر أعاد التأكيد امس على هذه النقطة، مؤكدًا إن التأخير في عملية تشكيل الحكومة مردُّه، إلى وجود محاولة واضحة لتجاوز الصلاحية الدستورية لرئيس الجمهورية، ونيةٍ للقفز فوق التوازنات وللعودة الى زمن التهميش وقضم الحقوق.

 


وإزاء التشنج الحكومي، وانعكاساته، يتفاقم قلق اللبنانيين من الأيام المقبلة، خصوصا وأن العام الجديد يبشرهم باقتراب رفع الدعم عن المحروقات والأدوية، مع إبقاء الطحين وحده ضمن السلع المدعومة.

 

 

وخلص تقرير أعدّه كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي غربيس ايراديان، إلى أنّ على لبنان تنفيذ إصلاحات كبيرة لتجنّب مصير الدول الفاشلة، مثل فنزويلا، متوقعاً أن يَنكمِش الاقتصاد اللبناني بنسبة 26.5 في المئة، ما سيقلّص الناتج المحلي الإجمالي بمقدار النصف بالدولار.

 

 

إقرأ أيضا : هل ستتصاعد ازمة تدويل لبنان

 

 ويذكّر التقرير بالإصلاحات المطلولة وعلى راسها التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي، وإقرار قانون الكابيتال كونترول، واستقلالية القضاء، وإصلاح قطاع الكهرباء، وإعادة هيكلة النظام المالي الذي سيشمل إعادة الرَسملة ودمج البنوك. وفي موضوع دعم السلع الأساسية اعتبر التقرير أن واردات السلع المدعومة لا توفّر دعماً فعالاً للفقراء، وهي في المقابل تَستنزِف احتياطيات مصرف لبنان، فدعم المحروقات يفيد أصحاب الدخل المرتفع ويشجّع التهريب الى سوريا.

 

 

بالنتيجة التقرير يشير الى احتمالين الأول متفائل ويفترض أن يتمّ تأليف حكومة جديدة من خبراء مستقلّين تبدأ في تنفيذ الإصلاحات، وتتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بما يفتح الباب أمام للمساعدات المالية الخارجية الملحّة.

 

 

 أمّا السيناريو المتشائِم فيفترض استمرار الوضع الراهن بما في ذلك الشَلل السياسي المستمر في غياب أي إصلاحات حقيقية وتمويل خارجي. وفي ظل هذا السيناريو، سينكمش الاقتصاد اللبناني بشكل أكبر، وسينخفض سعر الصرف الموازي أكثر، وسيبقى معدل التضخم فوق 100 بالمئة، وستنضب الاحتياطيات الرسمية، ويتم استخدام معظم الاحتياطي الالزامي للمصارف لدى مصرف لبنان.

 

 

كل هذه الإشكالات ستؤسس إلى مزيد من التشنج، الذي قد ينفجر مستقبلاً في الشارع، مستفيداً من استعصاء الملف الحكومي وعدم القدرة على تحقيق أي خرق. حتى المبادرة التي قام بها البطريرك الماروني بشارة الراعي اصطدمت بالحسابات الطائفية والمذهبية، إما بالدفاع عن الصلاحيات أو عن حقوق المسيحيين والشراكة. لم تصل المبادرة إلى أي نتيجة. إذ أن الطرفين بقيا خلف متاريسهم

 

 

تحرك البطريرك الماروني ينطلق من خلفية الحفاظ على المناصفة وما تبقى منها، خوفاً على زوال الصيغة بشكل كامل. أكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّه لم يلمس في المساعي التي قام بها في الأيام الاخيرة سبباً واحداً يستحق التأخير في تشكيل الحكومة، في أوّل تعليق له بعد اللقاءات التي قام بها لتذليل العقبات لتشكيل الحكومة. وأضاف في عظة الأحد نريد حكومة غير سياسيّة تتفرّغ لمشروع الاصلاحات وتضع في أولوياتها إعادة بناء المرفأ وبيروت. 

 


وتابع نريد معرفة الحقيقة في انفجار المرفأ ومن قتل أبناءنا ومن استورد المواد المتفجرة وواجباتنا دعم القضاء فإذا سقط القضاء يسقط هيكل الدولة كلّه
ثمة من يعتبر أن ثلاثين سنة من عمر الطائف أصبحت كافية، ولا داعي للمزيد. هناك حاجة للبحث عن صيغة جديدة، في مقابل قوى سياسية كثيرة تفضل بقاء الطائف.امام هذه المعطيات يبرز سؤال اساسي الى أين تقودنا هذه السلطة والى أي مصير وهل ستصدق التوقعات بأن يتحول لبنان الى دولة فاشلة وللحديث صلة .