تحت عنوان " الطائفية تطيح بتحقيق المرفأ: تنحي صوان أو الإطاحة به" كتب منير الربيع في "المدن": " طار التحقيق بتفجير مرفأ بيروت. ولم يعد للبنانيين من مجال للسؤال عن الحقيقة. فالمنظومة تعرف كيف تنقذ نفسها. والخلافات التي أثيرت بين القوى والمواقع الدستورية على اختلافها، كانت غايتها واحدة: التغطية على الجريمة والإطاحة بالتحقيق الجدّي فيها.

 


السؤال الغائب


وفي الأساس، منذ رفض التحقيق الدولي، كان المسعى اللبناني واضحاً: التعتيم على ما جرى، وإجراء تحقيق إداري، وحصر المسألة بالإهمال وسوء التدبير.


وهذا يشير إلى أن أحداً لا يريد الاقتراب من المغاور والدهاليز الحقيقية لأسرار المرفأ والعنبر رقم 12. لذا لم يتساءل أو يبحث أحد عن الجهة التي أتت بهذه الشحنة من المتفجرات، ولماذا أتت بها وما هي وجهة استخدامها؟!

 

صوان يختصر الأسماء


طار التحقيق على مذبح السياسة والطائفية. والانقلاب بدأ بخطوة المحقق العدلي القاضي فادي صوان، الذي ناقض نص كتاب كان قد أرسله بنفسه إلى المجلس النيابي، ويتضمن أسماء وزراء ورؤساء وقادة أجهزة أمنية.

لكنه فيما بعد، ولدى إدعائه على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، والوزراء علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وغازي زعيتر، اختصر كتابه بهذه الأسماء الأربعة، وعمل على تحييد الآخرين. وهنا، بدأت أولى الخطوات الناقصة التي أحاطت التحقيقات بالكثير من الشوائب.

للإثارة الطائفية


لقد أريد للتحقيق أن يثير انقساماً طائفياً.


وكان رئيس الجمهورية يعتبر أن التفجير استهدف منطقة الأشرفية. وأكثر المتضررين هم من المسيحيين. وأعطى انطباعاً أنه يريد استعادة حقوقهم وإظهار الحقيقة.
لكن المدعى عليهم، وأكثريتهم من المسلمين، استخدموا في الوعي واللاوعي اللبنانيين لتثبيت انطباع مشاعر بأن هؤلاء وحدهم يتحملون مسؤولية الانفجار. وفي المقابل، أرست خطوة الحريري في احتضانه حسان دياب في السرايا الحكومية، انطباعاً مضاداً: التكتل المسلم يصطف في وجه التكتل المسيحي. وهذا ما استدعى المزيد من المواقف المسيحية المعترضة. فحاول الحريري استدراك ذلك بزيارته بعبدا وبكركي.

 

مع ذلك، وفوق ذلك، طار التحقيق لأن الجميع مسؤولين ومتهمين، ويريدون إقفال الملف، تماماً كما أغلق من قبلُ ملف التدقيق المالي الجنائي.
وتشعبت ردود الفعل على خطوة القاضي صوان: رئيس الحكومة حسان دياب رفض المثول أمام القاضي بصفة مدعى عليه. ووزيرا حركة أمل رفضا أيضاً، وطالبا بإحالة الملف إلى المجلس النيابي. أما فنيانوس فأبدى استعداده للإدلاء بإفادته، لكن الجلسة تأجلت.

 

استكمال التقاذف وتعليق التحقيق


ويوم الخميس كان صوان يستجوب رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني منصور، فسرَت معلومات متضاربة: صوان قد يصدر مذكرة توقيف في حق مسؤول أمني. فيما أفادت معلومات أخرى أنه قد تراجع عن ذلك بناء على ضغوط. بينما كان بيان أمن الدولة واضحاً.


وجرى تعليق التحقيق والاستجواب، في انتظار بت مجلس القضاء الأعلى والقاضي الحجار في الكتاب الذي أرسله الوزيران علي حسن خليل وغازي زعيتر، حول وجوب تغيير القاضي صوان وإبعاده عن هذه القضية، لأنه غير حيادي.


على هذا الأساس عُلق التحقيق. وبالتالي تكون القضية أمام خيارات عديدة: إما تنحي القاضي صوان، وإما قبول القاضي الحجار بإحالة الملف إلى المجلس النيابي، وإجراء تحقيق برلماني، نتيجته تقرر احتمال إحالة الملف على هيئة محاكمة الرؤساء الوزراء.

 

ضرورة الضغط في الشارع 

في الحد الأدنى، من الصعب أن تمر الإطاحة بالتحقيق مرور الكرام، بصرف النظر عن حقيقة الموقف الدولي من هذه المسألة. فكثرة من اللبنانيين يعتبرون أن هناك جواً دولياً متآمراً في عدم كشف الحقيقة.
لذا، من المفترض أن يتزايد الضغط في الشارع في المرحلة المقبلة، رفضاً لدفن التحقيق ودفن الحقيقة. هذا فيما تستمر القوى السياسية باللفلفة والالتفاف على مطالب اللبنانيين، وإلهائهم بملفات واستحقاقات أخرى، لتضييع جريمة مرفأ بيروت المدوية".