يبقى يا أستاذ نيشان من استنكارك واستهجانك كيف لا يلجم الإنسان نفسه عن الشهوة، فالشهوة نارٌ تحرق الأرض، حتى بعض من تقدَّس وتمشيخ فهو أسير لهذه النزوة، لا يعلم إلاَّ الله ماذا يحرقون؟ وهذا كلٌّ بحسب ما اؤتي من شهوة ونزوة، لأنَّ الحافظ لشهوته، والمانع لنزوته، هم قلَّة قليلة في كل المجتمعات لذا خصَّه الله تعالى بأن يظله في ظله يوم لا ظل إلاَّ ظله.
 

الحديث عن الشهوة في المجتمع العربي والإسلامي، وما أدراك ما الشهوة؟.

 


إنها تورث الكثير من المتاعب والمصائب، وخصوصاً عندما تعم الفوضى وينتشر الفقر وتستحكم البطالة، فيكثر الحديث عن الغريزة والشهوة عند البشر ويصبح الشغل الشاغل في بلدٍ تحكمه شهوات القديسين والسياسيين التي حرقت الأخضر واليابس. 

 


فالعرب ما قبل الإسلام وإلى اليوم انشغلوا بالمرأة، وانهمكوا بها انهماكاً وولعاً، قلَّما تجده في شعوب أخرى بهذه الصورة، والشعر الجاهلي ينقل لنا صورة واضحة عن مدى ولع العرب بالجنس.

 

 

 فالإسلام عرف حقيقة هذه الشهوة الخارقة والحارقة، فكان من دعوته ومغرياته أنه من يدخل إلى الإسلام يعده بجناتٍ عدنٍ فيها من كل الملذات والجواري الحسان، لذلك لم يحارب الإسلام هذا الشبق العربي الإسلامي الناري، بل جعله في دائرة وأُطر تؤنسنه بحيث يكون جنساً إنسانياً رحيماً، فحرَّم ما حرَّمته الأديان التي سبقت الإسلام من حرمة نكاح الأمهات والأخوات والعمات والخالات...إلى آخره.

 

 

 ونجده خصَّص سورة في القرآن الكريم تعرف "النساء". كما أنه نهى عن اللواط والسحاق ونكح البهائم، "لا تعملوا عمل آل لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول" وأيضاً ورد "من نكح بهيمة فاقتلوه" وتحرق البهيمة، كما ورد في تفسير "القرطبي" حيث كانت قبيلة "فرازة" تعيَّر بممارسة الجنس مع الإبل، وكان يُقال "أشبق من جُمَّالة" وهذا "جُمَّالة" رجل من بني قيس بن ثعلبة كان يمارس الجنس مع ناقته، ويُقال نقلاً عن بعض الباحثين أنَّ النكاح في اللغة العربية له أكثر من ألف إسم، وهذا ما يدل على شرف المُسمَّى.

 

 

 فالشهوة هي نارٌ تحرق الأرض وما عليها، ونرى في هذا التاريخ الشبقي عن ممارسة نكاح الإماء والجواري، حتى الجهابذة والصناديد من قريش وغيرها، يملكون عشرات الجواري، بل تفوق العشرات إلى المئات.

 

 

 لهذا فالشهوة العربية والإسلامية تفوق بحجمها تاريخ البشر، كما يقولون من أنَّ الشهوة تتكاثر بالإنشطار فلا يحدها شيء ولا يلجمها قانون ولا دين ولا أخلاق ولا مُثُل، فهي تورث المهلكة ما لم يتم عليها السيطرة بالطرق الشرعية المباحة.

 

 

 أما اليوم فقد رأوا من تصعيب الزواج، وخصوصاً في المجتمعات التي تكثر فيها البطالة والعوز والفقر، فراح السنة إلى تشريع زواج ما يُسمَّى المسيار والمسفار، وعند الشيعة إلى المتعة، أي زواج مؤقت. يبقى يا أستاذ "نيشان" من استنكارك واستهجانك كيف لا يلجم الإنسان نفسه عن الشهوة، فالشهوة نارٌ تحرق الأرض، حتى بعض من تقدَّس وتمشيخ فهو أسير لهذه النزوة، لا يعلم إلاَّ الله ماذا يحرقون؟ وهذا كلٌّ بحسب ما اؤتي من شهوة ونزوة، لأنَّ الحافظ لشهوته، والمانع لنزوته، هم قلَّة قليلة في كل المجتمعات لذا خصَّه الله تعالى بأن يظله في ظله يوم لا ظل إلاَّ ظله.

 

 

 وهو الذي أرى عبده ونبيه يوسف (ع)، البرهان ليرتدع ويستعصم، ويعصم نفسه وشهوته، وخصَّص سورة باسمه "يوسف" فمحاربة ومقاومة هذه الشهوة والنزوة لا يؤتاها إلا  الأتقى الذي روَّض نفسه طيلة حياته وعمره على الخوف والتقوى والورع، و"سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار".