أزمة الحكومة باتت ضاغطة بقوّة أمام مشهد الفوضى والانهيار والانحلال. وهكذا تتجه الأزمة اللبنانية إلى مزيد من التدويل مع ترسّخ القناعة بأن تعطيل قيام حكومة جديدة تتولى الإصلاحات الاقتصادية والمالية، يعيد المأزق الذي يمر فيه لبنان إلى أصله السياسي على خلفية تحكم تحالف رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله بالسلطة والقرار في بلد جرى إخضاعه في السنوات الماضية إلى متطلبات المواجهة التي تخوضها إيران مع الولايات المتحدة الأميركية.  

 


وقد سبق اللبنانيون وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان باعتبار الدولة اللبنانية تشبه سفينة تايتانيك وهي تغرق. الفارق فقط أنّ لودريان أكّد لنا أنّ السفينة تغرق من دون موسيقى، فيما البؤساء والمفجوعون بطبقتهم الحاكمة ظنّوا لوقت طويل أنّ الغرق يحصل على أنغام أوركسترا شغاّلة تخفيفاً من حدّة الارتطام والاختناق في القعر.

 


لا سياسة في لبنان، إلا حرب البيانات ومعارك الحصص والسجالات. من بين الميزات التي يفتقدها البلد، ميزة الحركة السياسية التي كان يتميز بها عن كل دول المنطقة، تنحدر اليوم لتؤول إلى مستويات منخفضة جداً، فلا تعلو على المصالح الضيقة التي تدمّر كل ما له علاقة بالشأن العام. 

 


هذه المعارك أخذت جانباً منها السجالات المفتوحة بين بعبدا وبيت الوسط على خلفية الخلاف المستمر بشأن عملية تشكيل الحكومة والتباعد في الرؤى بين الجانبين، الذين يسعى كل منهما لتسجيل النقاط على حساب الآخر.


تلك سياسة لا تريد إلا إلى مزيد من التدمير، والذي سيشهد لبنان المزيد منه في ظل عدم تحمل القوى السياسية لمسؤولياتها، الشارع الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الإنفجار، تحصل تدخلات كثيرة للجمه ولوقف أي تحرك قد تلجأ إليها النقابات أو الإتحادات العمالية، وبعد إتصالات من جهات عديدة، للمطالبة بوقف التظاهرات التي دعي إليها يوم الأربعاء، تشير المصادر إلى ان تعليق التحركات تم كي لا تؤدي إلى توترات في الشارع، أو انفلاتاً لا يمكن لأحد أن يسيطر عليه فيما بعد، وموقف الاتحاد العمالي العام بوقف تحرك الأربعاء يصب بهذا الاطار. لكن كل هذه المعالجات ليست إلا محاولات مؤقتة لإبقاء الجمر تحت الرماد.

 

 

إقرأ أيضا : عَودة السجالات والأبواب موصدة حكومياً

 


ينتظر لبنان زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو خالي اليدين، لم يقدّم اللبنانيون شيئاً تجاوباً مع المبادرة الفرنسية، ما سيدفع بالرئيس الفرنسي إلى تحميل القوى السياسية اللبنانية مسؤولية الخراب بشكل مباشر، بانتهاء زيارة ماكرون سيكون لبنان على محكّ الإستحقاقات الجدية بدون أي رعاية دولية أو إقليمية، وعندها فرنسا لن تكون قادرة على تقديم أي مساعدة أو أي غطاء، ما يعني أن ابواب الأزمات ستفتح على مصراعيها. بلغ التنسيق الدولي درجة أن باريس متسلحة بالدعم الأوروبي الكامل، وتمكنت من إقناع الإدارة الأميركية بأن تجمّد العقوبات على حلفاءحزب الله وكان آخرها العقوبات على النائب جبران باسيل في السادس من تشرين الثاني الماضي، لأنها تؤدي إلى تعقيد المتضررين منها لعملية تأليف الحكومة، فاستجابت واشنطن بعدما كانت تنوي الإفراج عن ملفات شخصيات أخرى على لائحة العقوبات، وقد تؤدي عرقلة التشكيلة الحكومية التي سلّمها الحريري إلى عون، إلى عودة هذه العقوبات، حسب مصادر سياسية لبنانية على صلة بالإدارة الأميركية، من دون أن تعترض باريس على ذلك هذه المرة، فالتقارب الأميركي الفرنسي الأوروبي مرشح للتطور مع الأيام في ظل إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، كما أن الأيام المتبقية من إدارة ترمب قد تشهد عودة إلى هذه العقوبات. ويتوقع المتصلون بالدول الكبرى المزيد من التفاهمات الدولية حيال إدارة الأزمة في شكل يمهّد لإجماع دولي ضاغط على الفرقاء الذين يعطلون حلول الأزمة وتشكيل حكومة توحي بالثقة للمجتمع الدولي ولا سيما تحالف عون و"حزب الله"، أحد مظاهر الضغوط المتوقعة خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان في 21 ديسمبر،  فإذا لم تنجح المساعي الفرنسية لـتأليف الحكومة قبل هذا التاريخ، سيلغي ماكرون لقاءاته مع الفرقاء السياسيين، وتقتصر زيارته على قضاء ليلة مع الوحدات الفرنسية المرابطة في الجنوب في إطار القوات الدولية هناك، ثم قد يلتقي الرئيس عون لإبلاغه موقفه الحاسم بوجوب تأليف الحكومة ثم يعود إلى فرنسا. فبعد زيارة ماكرون لن يكون كما قبلها والآتي أعظم. 

 


وهكذا بدل ان يجري البحث عن قواسم مشتركة لتشكيل الحكومة وإنقاذ البلد من حالة الانهيار التي سقط فيهاإندلعت حرب بيانات بين قصر بعبدا وبيت الوسط ستؤدي حتما الى مزيد من التعقيد في تشكيل الحكومة فيما اندلعت حرب مواعيد بين قاضي التحقيق العدلي في إنفجارالمرفأ فادي صوان وبين رئيس الحكومة حسان دياب، ما يعني ان البلد دخل في دوامة مقفلة لن يخرج منها من دون تفاهمات سياسية كبرى جديدة ترسم حدود التعامل بين القيادات الرسمية والمؤسسات الدستورية.او من دون تدخل خارجي كبير وقوي ضاغط على الجميع بما يدفعهم الى جعل مصلحة البلاد والعباد اولوية بدل التناحر على الصلاحيات والمكتسبات .