إنكم تعيشون على نحو لا تستطيعون معه القول إنكم تملكون شيئاً، يبدو الآن لفرح عظيم لكم أنكم لا تمسكون سوى نصف أملاككم وعائلاتكم وحياتكم، وكل هذا الضرر، هذا البؤس، هذا الخراب، لا يأتيكم من أعداء، إنما من عدوٍ واحد، هو هذا الذي تُكبِّرونه إلى حد الذهاب من أجله إلى الحرب بشجاعة باسلة.
 

الشكر للأستاذ والكاتب ـ عبد القادر الجبائي ـ الذي أرشدني من خلال مقاله ـ نداء من قرن بعيد إلى شعوب اليوم الغبية ـ  إلى كتاب قيِّمٍ وجدير، حتى يتعرَّف عليه كل عربي وإسلامي، وبالتأكيد المواطن اللبناني، إنه كتاب ـ العبودية المختارة ـ للقاضي والكاتب الفرنسي ـ إيتيان لابويسي ـ 1530 ـ 1563. منتصف القرن السادس عشر.  فأعادني إلى أخطر خطاب في مسألة العبودية الطوعية، أي إرادة العبودية والرغبة في أن تُستعبد.

 

 

" أيها المساكين التعساء، أيتها الشعوب الغبية، أيتها الأمم البائسة بمحض إرادتها، العمياء عن خيرها، تتركون أرقى عائداتكم تُسلب أمامكم، حقولكم تُنهب، منازلكم تُسرق، وتُفرغ أثاثها القديم، التركة الأبوية.

 

 

 إنكم تعيشون على نحو لا تستطيعون معه القول إنكم تملكون شيئاً، يبدو الآن لفرح عظيم لكم أنكم لا تمسكون سوى نصف أملاككم وعائلاتكم وحياتكم، وكل هذا الضرر، هذا البؤس، هذا الخراب، لا يأتيكم من أعداء، إنما من عدوٍ واحد، هو هذا الذي تُكبِّرونه إلى حد الذهاب من أجله إلى الحرب بشجاعة باسلة، الذي لا تأبون أن تقدِّموا أنفسكم إلى الموت من أجل عظمته.

 

إقرأ أيضا : كلا.... إنَّ اللبناني طغى.!

 

 

 إنَّ هذا الذي يحكمكم إلى هذا الحد، ليس لديه سوى عينين اثنتين، يدين اثنتين، جسم واحد، أي ليس لديه سوى ما لأحقر فرد من سِمان مدنكم التي لا تحصى، إلاَّ أنَّ ما يُميِّزه عنكم هو الامتياز الذي تمنحونه غرض تدميركم. من أين حصل على كل هذه العيون التي يتجسَّس بها عليكم، إن لم تعطوه إياها بنفسكم؟ كيف يكون له كل هذه الأيدي لضربكم، إن لم يأخذها منكم؟ من أين له هذه الأقدام التي يسحق بها مدنكم، إن لم تكن تلك الأقدام أقدامكم؟ كيف يمكنه التسلط عليكم إن لم يكن ذلك التسلط تمَّ بواسطتكم؟ كيف يجرؤ الحمل عليكم، إن لم يكن بالتنسيق معكم؟ ماذا يستطيع أن يفعل إن لم تكونوا متواطئين مع السارق الذي ينهبكم، شركاء في جريمة المجرم الذي يقتلكم وخونة أنفسكم؟ تزرعون ثماركم لكي يتلفها، تفرشون وتملأون منازلكم لتغذية سرقاته، تغذون بناتكم لكي يجد لذته التي يسكر بها، تربُّون أطفالكم لكي يسوقهم في حروبه التي هي أفضل ما يقدمه لهم، لكي يسوقهم إلى المجزرة، لكي يجعلهم وزراء مطامعه، ومنفِّذي ثأره، إنكم تحطمون أنفسكم بجهدهم، لكي يتنعم هو بملذاته، تضعفون أنفسكم لكي تجعلوه أقوى وأصلب، للجمكم، على أنه يمكنكم التخلص من كل هذه التحقيرات التي ترفضها حتى البهائم ولا تتحملها، إذا ما حاولتم، لا التخلص منها، بل إرادة ذلك. 

 

 

صمِّموا فقط على الكف عن تلبية أوامره وها أنتم أحرار، لا أقصد أن تدفعوا به أو أن تزحزحوه، إنما كفُّوا فقط عن دعمه وسترونه يهوى ويتكسَّر بحكم ثقله كتمثالٍ عملاقٍ أُزيحت قاعدته".