كتب منير الربيع في "المدن" : لاحكومة يمكنها ردّ الطوفان. وفي حال تشكيلها لن تسهم في تخفيف حدّة التوتر السياسي، ولن تتمكن من إخماد غضب الناس، ولن تلجم أحقاد أهل السياسة والحكم.

 

على جثة الدولة

فالحكومة، إذا تشكّلت، ستكون كعادتها حلبة جديدة للمتاريس السياسية. من خلفها تتجدد المعارك التي فُتحت منذ فرض العقوبات على جبران باسيل. وبحكومة أو من دونها ينتظر لبنان جولات وجولات من حروب الأحقاد والثارات ونبش الملفات، بين قوى تتصارع على ما تبقى من جثة الدولة، وعلى تبييض صفحتها على حساب الخصوم: من ملف الجيش إلى صندوق المهجرين، وما يليهما من ملفات أخرى في مصرف لبنان، والميدل إيست، ومجلس الإنماء والإعمار، ومجلس الجنوب، والضمان الاجتماعي وغيرها.

 

معركة رئيس وصهره

والمعركة هذه يخوضها رئيس الجمهورية وصهره رئيس تياره العوني، بالتعاون مع قضاة ووسائل إعلامية. وفي المقابل يتحضر المستهدفون لشن حملاتهم. وهذا جو أقل ما يقال فيه أنه مافيوي، ويؤسس لمعارك كبيرة قد تنعكس توتراً في الشارع وعلى الأرض. وربما ليس سهلاً العثور على سبيل للتهدئة من دون هدر دماء.

 

فما يجري يؤدي إلى إشكالات وتوتر في أكثر من منطقة، بنتيجة الاستنفار والاستفزاز. وتتكاثر عوامل مساعدة لنقل المشكلة من مكان إلى آخر. وهكذا يهتم الناس في توفير الحماية، بدلاً من غضبهم في بحثهم عن لقمة العيش، وصرف هذا الغضب في احتجاجات رفضاً لإجراءات التفقير والتجويع المرتقبة.


 
 

كل ما يجري قابل لأن يفجّر الوضع. وهذا بمعزل عن الأوضاع والظروف الخارجية التي تزيد الوضع تعقيداً. وهذا ينعكس على عملية تشكيل الحكومة. والمجتمع الدولي أصبح على قناعة بأن رئيس الجمهورية ميشال عون هو الذي يعرقل ولادة الحكومة. وما يطالب به يعتبره حق له ولكتلته. وهو الذي لم يعتد يوماً أن يقدم تنازلاً.

 

فعندما كان رئيساً لكتلة نيابية عطّل الحكومة شهوراً، من دون استناده إلى أي معطى دستوري، بل كرمى لعيني صهره جبران الذي كان راسباً في الانتخابات النيابية. فكيف يمكن الآن تهميش جبران المعاقب أميركياً، وعمه في القصر الجمهوري، يمسك بورقة قوية: توقيعه على أي تشكيلة حكومية، وخوض معركة باسيل المستقبلية؟ وهو في ما يضعه نصب عينيه وعناده، لا يعنيه كل ما يقوله الآخرون، ولا ما يجري في البلد.

 

مسرح الدمى الحكومي

لن يتنازل عون ولن يتراجع. هذا ما فعله في وزارة الطاقة التي قبل الحريري بالتنازل عنها، بناء على صيغة تسلُّمه من الحريري خمسة أسماء يختار هو واحداً منها. وها هو يصرّ (عون) على الثلث المعطل، بينما يمنحه الحريري وزراء خمسة ووزيراً مسيحياً سادساً محسوباً على الحزب السوري القومي الاجتماعي.

 

واستمر الحريري باتصالاته طوال يومي الثلاثاء والأربعاء قبل ذهابه إلى بعبدا. وكان قد أكد للجميع أنه سيسلم عون تشكيلة حكومية. ومساء الثلاثاء اختلف الحريري مع جنبلاط على اسم الوزير الدرزي. وذلك بعد حسم وزارتي الخارجية والزراعة لصالح الدروز، بمسعى من نبيه بري. اقترح جنبلاط اسم عباس الحلبي، لكن الحريري رفضه بذريعة أن جنبلاط كان قد سمّى سابقاً الحلبي وزيراً في حكومة مصطفى أديب. ولإبعاد شبهة اختيار الأسماء من قبل القوى السياسية، عرض الحريري على جنبلاط عدداً من أسماء الشخصيات الدرزية التي تربطهم به علاقة قوية. ولم يشأ جنبلاط عرقلة التفاهم الحكومي، في حال تم الاتفاق على ولادة الحكومة. إلا أن المسألة أو العقدة تبقى في التنفيذ وبالتسمية. وبحال لم يُرضِ الإسم الدرزي جنبلاط، فإن موقفاً عنيفاً سيصدر عن زعيم المختارة يعلن فيه أنه لا يتبنى هذه الحكومة.

 

إعطاء الداخلية للدروز يعني عدم إعطاء وزارة سيادية للسنّة. وهنا تتركز المشكلة حول وزارة الداخلية. الحريري يتمسك بتسمية نقولا الهبر كنوع من التوافق بينه وبين عون، فيما الأخير يصرّ على تسمية جان سلوم. وهو الضابط الذي أوقف في السابق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. أما وزارة الدفاع فيسمي لها عون نقيب المحامين السابق أنطوان قليموس، فيما وزارة العدل من نصيب الدكتورة العونية فاديا كيوان. وهذا إضافة إلى وزارة التربية ووزارة الاتصالات والصناعة من حصة المسيحيين، ولكن ليس من حصة التيار العوني.


 
 

حزب الله حسم حصته بوزارتي الأشغال والعمل. وحركة أمل بوزارتي المال والسياحة. والحريري يتمسك بوزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية.

 

حكومة الأمل الذاوي

وذهب الحريري إلى بعبدا حاملاً مغلفين: الأول فيه تشكيلة حكومية غير مكتملة، تنتظر أسماء وزراء حزب الله، والأسماء التي سيختارها عون، وفي حال حصل التوافق تضاف إلى التشكيلة، وتكون الحكومة قد تشكلت.

 

أما المغلف الثاني، ففيه تشكيلة وضعها الحريري ليسلّمها لعون في حال عدم التوافق. وكما كان متوقعاً طلب عون مهلة لدراستها، ومن ثم عقد لقاء جديد لإعطاء الجواب النهائي. وقد تكون الأمور بحاجة إلى إدخال تعديلات. وقال الحريري بعد اللقاء: "قدمت تشكيلة لرئيس الجمهورية، وقد وعدني بدراستها، وسنعود ونلتقي، والجو إيجابي، والأمل كبير بتشكيل حكومة".

 

إنها المحاولة الأخيرة لإنقاذ المبادرة الفرنسية في عملية تشكيل الحكومة. وتشير المعلومات إلى أن زيارات مسؤولين أوروبيين ستتكثف إلى لبنان في المرحلة المقبلة. وذلك بناءً على المبادرة الأوروبية، وهي تأتي في سياق أوسع وأشمل من المبادرة الفرنسية، وستكون لها انعكاسات كبيرة على الواقع اللبناني مستقبلاً، وفق تطورات المنطقة.