كتب منير الربيع في "المدن": صار يكفي لتفجير الوضع في لبنان اليوم أن يشيع خبر ما أو تسريبة أو معلومة. فالبلد يعيش إذاً على احتمال انفجار. والأحرى أن الانفجارات تتسابق إليه: من تأزم الوضع السياسي، إلى معضلة تشكيل الحكومة، إلى ترهل الإدارة وخرابها، وصولاً إلى احتمال انفجارات اجتماعية ومعيشية مرتقبة. وعلينا ألا ننسى الانفجارات الأمنية التي تظل تحوم في الأفق.

 

بلد التيه والضياع

وأي خبر عابر صار يستدعي تحليلات لا تنتهي واستنتاجات سريعة سلبية الطابع، على الرغم من كل محاولات التزوير في ضخ أجواء إيجابية وتعميمها، على غرار ما يعمل البعض على بثه حالياً حول تشكيل الحكومة وعن "تقدّم يتحقق" على طريق تشكيلها.

 

ومن الأمثلة الأخيرة على ذلك، سماع دوي انفجار في بلدة جباع جنوب لبنان، وبقاء الدوي وحقيقته غامضين، فيما راجت بين اللبنانيين استنتاجات سريعة تشبّه الانفجار بذاك الذي حصل في عين قانا قبل ثلاثة أشهر. مع العلم أن تفجير عين قانا كان ظاهراً للعيان وعلى مرأى كاميرات المواطنين، وحصل فوق الأرض وفي منطقة مأهولة.


 
 

أما الانفجار الذي سمع في بلدة جباع، فوقع على ما يبدو في منطقة حرجية بعيدة عن الناس، وليس من السهل الوصول إليها. وهنا تتخذ الاستنتاجات طابعاً مؤامراتياً. إذ تسارعت وتيرة الأحاديث على هذا النحو: تلك المنطقة عسكرية يغلقها حزب الله، ولا أحد يمكنه الاقتراب منها. وعندما أعلن رئيس بلدية جباع أنه سمع صوت انفجار غير قوي، وأرسل دورية من شرطة البلدية إلى المكان، لم يتمكن رجال الشرطة من الوصول إلى مصدر الدخان المنبعث.

 

وراحت تتكاثر التكهنات اللبنانية: طبعاً المنطقة يقفلها حزب الله. وهنا يطرح سؤال اعتراضي آخر: لماذا لم يكن الصوت قوياً؟ وتعود الاستنتاجات "المؤامراتية" لتعتبر أن الانفجار ربما وقع تحت الأرض، في أحد أنفاق حزب الله أو ما شابه. وعندما حكي عن مناورات للجيش اللبناني، نفت مصادر عسكرية هذا الكلام.

 

حروب غامضة ومآسٍ

هذا مثال عما يعيشه اللبنانيون راهناً، وهم الذين اختبروا منذ بدايات الحرب الأهلية (1975) العيش على تكهنات بقرب انفجار جولات الحرب والتهديد المستمر بالعنف والموت. فكيف اليوم في ظل سياسات حزب الله العسكرية السرية والغامضة؟! والسياسات الحربية الإسرائيلية والأميركية الأمنية، السرية والغامضة بدورها. لذا يطغى على تصورات اللبنانيين الذين ذاقوا مرارة ومأساة تفجير مرفأ بيروت الغامض، التهويم والتهويل الذي صارت الوقائع تشبهه.

 

ومن الطبيعي في هذه الحال طغيان مناخ من السلبية والتشاؤم والخوف من الاعتداءات المستمرة والمتكررة. في وقت تبلغ فيه المصائب والمصاعب المعيشية حدوداً قصوى: الحديث المستمر عن رفع الدعم، الذي يهدد لقمة العيش. ثم خسارة الوظائف والأعمال داخل لبنان وخارجه. وشاع منذ سنة تقريباً الحديث عن الخوف من الجوع. والغريب أن ليس من مبادرات للتعبير عن الغضب احتجاجاً على قرارات رفع الدعم التي وضعت على السكة. وهي تنتظر من يتبناها سياسياً أو يأخذها على عاتقه، كما انتظرت سلسلة الرتب والرواتب طويلاً ليأخذها أحد على عاتقه. وهذا ما حصل عشية الانتخابات النيابية الماضية. والمؤكد أن الدعم سيتوقف في نهاية المطاف. وهو الذي يفترض أن يؤدي إلى انفجار اجتماعي

 

وقد يتنقل لبنان عندئذ بين انفجارات متتالية: أمنية، غذائية، سياسية، معيشية، وفي علاقاته الخارجية، وسط صراع مستمر على تشكيل الحكومة. وهو صراع قابل لتفجرات إذا ما استمر.


 
 

وهذا كله لا يوقف التنازع بين القوى المختلفة. وقد يصل الاستعصاء إلى حدّ التبارز على التعطيل، هرباً من المسؤولية، ولتؤدي الانفجارات إلى ترك حكومة تصريف الأعمال على حالها، بدلاً من تشكيل حكومة جديدة، يكون اتخاذها القرارات الصعبة مهمة شاقة على القوى السياسية، التي لا يعرف أي منها كيف سيكون رد الفعل الشعبي عليها.

 

الحكومة المؤجلة

لذلك، وتجنّباً للانهيار وكسباً للوقت ستطول عملية تشكيل الحكومة، على الرغم من اللقاء الذي عقد أمس بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف. وتؤكد المعلومات أن الحريري أبدى استعداده للتعاون والتفاهم مع عون مجدداً لتشكيل الحكومة، وأنه أنجز تصوره نسبياً، وعرضه عليه.

 

لكن عون طلب منه أن يذهب للاتفاق مع القوى الأخرى. واستند عون على عدم تسليم حزب الله أسماء وزرائه للحريري، كي لا يكون محرجاً.

 

بمجرد أن يذهب الحريري إلى عون من دون أسماء حزب الله، يكون ذلك مبرراً لعون لعدم تقديم أسماء وزرائه. وبالتالي تستمر الدوامة على حالها في دائرة الفراغ. وهذا ما دفع الحريري إلى إعطاء رئيس الجمهورية مهلة يومين، على أن يلتقيه بعد ظهر الأربعاء. وهنا أيضاً يغلب الطابع التشاؤمي، فيما تبقى كل هذه الاتصالات مجرد محاولات لتفادي الانفجار السياسي.