التّكنولوجيا القادمة وطفراتها هي الجائحة الأخطر التي ستضرّ بالإنسان أما فيروس كورونا فليس سوى فيروس «عبور ». أي مجرد حدث كونيّ لتأهيل العالم البشريّ نفسيا واجتماعيا وحياتيا من خلاله على أنظمة عن بعد إلى حين اعتيادنا على كل ماهو عن بعد كنظام بديل.
 


التّكنولوجيا القادمة: الجائحة الأبديّة الأخطر!؟

 

كان لافتًا مؤخّرًا الظّهور  المتواتر للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما. لا  يهمّني إنْ كان يستغلُّ الفجوة الحاليّة ما بين خروج «ترامب» ودخول «بايدن» البيت الأبيض للظُّهور  إعلاميًّا مادام الباب الرّئاسي مواربًا ولم يغلقْ بعد. ما شدّ اهتمامي هو  إطلالته الأخيرة مع الإعلاميّة «أوبرا وينفري» الّتي أجرتْ معه حوارًا تلفزيًا عن بُعد بتقنيةٍ عالية بفضل تكنولوجيا مُعزّزة، فقد كان كلاهما في بيته لكنّهما يظهران معًا في نفس المكان، مستمتعينْ بالمدفأة الّتي تتوسطّهما!

 

 

كان اللّقاء كما يبدو ظاهريًا استخفافًا بالوباء العالميّ المنتشر،كورونا، وتحايلًا عليه، واستخفافًا بالأمكنة كذلك، وبدا لي ضِمنيًا أنّه لقاء يكشف عما ستؤول إليه تكنولوجيا ما بعد هذا المرض، وإعلانٌ أوليّ لما سيُصبح عليه العالم في المستقبل الافتراضيّ القريب، ومن ذلك أوّلًا: تطوّر الإعلام العالمي وامتلاكه سلطةً أوسع.

 

ثمة سؤال ما: هل كنا سنشهد هذا التّطور التكنولوجي المفاجئ لولا هذا الفيروس؟ ولأن الإجابة مفتوحة يصبح السؤال كذلك: هل أن هذا الوباء إذنْ خُطاطة مشروع الانتقال إلى تكلونوجيا الأنظمة البُعدية؟

 

علّقت أوبرا قبل أن تحاوره عن كتابه الجديد "أرض الميعاد" قائلة: «أنت في واشنطن وأنا في كاليفورنيا وجمعتنا التكنولوجيا لنتحدّث وجهًا لوجهٍ دون أن نضطرّ إلى ارتداء الكمامات».

 

 

ولأذهب أبعد من كلام أوبرا: هنالك «أرض ميعاد» أخرى غير التي في كتاب باراك، وأقول إنّنا وفقًا لهذا القياس قد لن نحتاج في السنوات القليلة القادمة إلى الطّائرات وجوازات السّفر وانتظار موافقة تأشيرة بعض الدّول الّتي ترفض دخول كثيرين منا لأسباب مختلفة. سيصبح في إمكاننا قريبًا أن نلتقي في جلسةٍ افتراضيّةٍ بمن نريد عن بعد، في أكبر «عملية دمج للزمان والمكان معًا». وسيغدو  «السكايب» و «جوجل ميت» و«زووم» أساليبَ تقليدية للتّواصل مادام الالتقاء بالآخر  سيحدث بمرأى تواصليّ لا ينقصه شيء ليكون حقيقيًّا سوى اللّمس، وسيمكننا كذلك أن نظهرَ  مع من نريد في أي أبعادٍ نشاء ونحن من نختار الخلفيّة التي نشاء، كأن نكون تحت برج إيفيل أو في قمة جبل ايفرست أو في أفخر  مطاعم العالم التركية.

 

 

وبإمكاننا أن نتخيل كثيرًا من قصص الحبّ الافتراضية الجديدة والصداقات البعيدة التي يمكن لها أن تكون أقرب من قبل حينها، ولا حاجة إلى الغناء مع أديل: Hello from the other side  إذ سنقول إلى بعضنا البعض: Hello from the same side.

 


إنه شيء مدهش إلى حدّ الرّعب. إذْ مما لا شكّ فيه بالنّسبةِ إليّ أن العالم ما بعد كورونا سيعيشُ زمن الغزو الافتراضي أكثر من أي وقتٍ آخر، إذ يحاول كثير من الخبراء اختراع أساليب أكثر فعالية من قبل وأكثر تحايلا على المسافات في كل شيء. (لا رغبة لي في إقحام الأمر  تحت فكرة أنّ الوباء معدٌ مسبقا لهذه الابتكارات وتغذية نظريات المؤامرة، فمصير البشرية أن تتطور  في كل الأحوال، لكنَّني لا أنفي في نفس الوقت هذه النظرة لأنّنا وصلنا إلى زمن لا شيء يحدث فيه ببراءة)..

 

 

التّكنولوجيا القادمة وطفراتها هي الجائحة الأخطر التي ستضرّ  بالإنسان أما  فيروس كورونا فليس سوى فيروس «عبور ». أي مجرد حدث كونيّ  لتأهيل العالم البشريّ  نفسيا واجتماعيا وحياتيا من خلاله على أنظمة "عن بعد" إلى حين اعتيادنا على كل ماهو عن بعد كنظام بديل.

 

 

فقدان البشرية «للأمن الزمكاني؟»

 


لا تكتبوا في «جوجل» عن الأمن الزّمكاني فهو مصطلح مكتوب في خانة بحث رأسي المليء بالكوابيس المستقبليّة.

 


بالنسبة إليّ، لن أكون مطمئنَا إلى مستقبلي الافتراضيّ القريب أو ذاك البعيد، مهما كان مرّتبًا وجميلًا وخياليًّا إن  كنتُ سأفقدُ في المقابل «الأمن الزّمكانيّ» ومزيدًا من هدر  دم الخصوصيّة الفردية. شخصيًّا لا تسعدني كلّ تجارب التّقدّم الّتي يقوم بها العلماء، فثمّة تقدّم إلى الهاوية أيضًا.. وأوّله الّذي يجرّدنا من الحرّية مقابل بعض الخدمات التكنولوجية الفارهة. أرى أنّنا نعيش أكبر تجريد لخصوصيتنا كلما أضيفَ جهاز جديد أو تطوّر آخر بمزايا إضافيّة..

 

 

من قال إنّني أريدُ أن أقابل أحدهم في مكان افتراضيّ مشترك في وقت ما، إن كنت لا أرغب في ذلك، إذ قريبًا «بفضل» إحدى التحديثات سيتعرّف أحدهم إلى مشاوري اليوميّة المسجّلة ومخططاتي الأسبوعيّة وسيصعب اختراع الأكاذيب البيضاء للنجاة بعزلة خاصة. وربّما لن أجد الوقت للهرب منه إن كان سيظهر أمامي كشبح افتراضيّ يحجز «مكالمة مواعدة» معي؟ أليس هذا كابوسًا مقلقًا؟

 

 

من قال إنّني أريد في المستقبل الافتراضيّ القريب أن يعرف الآخرون معدّلات نبضي على ساعتي الخاصّة أو كم من خطوة مشيت أو كم استهلكت من طاقة؟ ألن يكون مخجلاً أن يُفضح المرء بسبب ساعة أو جهاز ما يخبر الآخر  بمدى تدفق الدم فينا لحظة اعترافنا بالحب له مثلا؟ ألن يكون مخجلاً أن يعرف الآخرون بقائمة أمراضنا النفسيّة والصحيّة في كل مكان نكون فيه؟ ألن يتعمّد أحدهم حينها استغلال قائمات رهابنا وآلامنا لينتقم منّا أو ليرتكب جريمة ما بعدما أخذ علمًا عن كلّ نقاط ضعفنا؟

كانت هذه كوابيسي وهواجسي لهذا الأسبوع، ولا تكفي هذه الصفحة لعرضها جميعًا! 
أراكم الأسبوع القادم!