ما هي التداعيات التي يمكن أن تترتّب على اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة فوق صفيح المنطقة الساخن، وكيف تفسّر طهران نجاح أعدائها في اختراق «أمنها القومي» بهذا الشكل وتوجيه ضربة موجعة إليها في عقر دارها؟

يبدو حتى الآن انّ البديل عن الحرب العسكرية الشاملة في المنطقة يتمثّل في حرب بالتقسيط او بالمفرّق، من خلال الضربات المحدودة والعمليات الأمنية، مع الاشارة الى انّ ضبط هذا النوع من المواجهات الموضعية ليس مضموناً بالضرورة، وقد يؤدي أي خطأ في التقدير او في المقادير الى تدحرج الأمور وإفلاتها من السيطرة.

 

وبينما كان البعض يرصد سلوك الأميركيين والاسرائيليين خلال الأسابيع الأخيرة من ولاية دونالد ترامب، والمفتوحة على كل الاحتمالات، حصل الاغتيال المدوّي لأحد أهم العلماء النوويين في إيران ورئيس مركز الأبحاث والتطوير في وزارة الدفاع محسن فخري زادة، الأمر الذي رفع منسوب التوتر والغليان في المنطقة، خصوصاً بعدما وجّهت طهران أصابع الاتهام الى تل أبيب وواشنطن، متوعّدة بالرد القاسي على الاعتداء.

 

وما جرى في العمق الإيراني من اغتيال شخصية علمية بهذا الوزن، ليس سوى فصل إضافي من حرب استخبارية - أمنية، تدور بلا توقف تقريباً بين طهران من جهة والجانبين الاسرائيلي والأميركي وبعض العرب من جهة أخرى، علماً انّ جزءاً من وقائع هذه الحرب يبقى طَي الكتمان، ولا يُعرَف به سوى الضارب ومتلقّي الضربة.

 

لم يضع فخري زادة بصماته على الملف النووي فقط، بل كانت له اخيراً مساهمات نوعية في نطاق مكافحة كورونا، إذ انه وفريق عمله توصّلا الى ابتكار «فحص سريع» يتم تصدير كميات منه الى جانب الاستعمال المحلي، وبَلغا ايضاً مرحلة متقدمة في صنع لقاح مضاد للوباء، ما دفعَ جهات خارجية الى إبلاغ طهران رسالة تحذيرية مفادها انّ «عليكم عدم الدخول في هذا المعترك»، وفق تأكيدات أوساط إيرانية.

 

ومن المتوقع ان يأتي انتقام طهران ضمن قواعد «السجال الاستخباري» مع اعدائها، سواء في الساحات الأمامية للنزاع او الخلفية، فيما تؤكد مصادر إيرانية رسمية لـ «الجمهورية» أنّ الرد حَتمي لاستعادة الاعتبار، وهو لا يعدو كونه مسألة وقت فقط، لافتة إلى أنّ الإيرانيين هم محترفو حياكة السجّاد التي تعتمد على الصبر، ومخترعو لعبة الشطرنج التي تستند الى الفكر. وبالتالي، فإنّ الرد سيكون على هذا النحو.

 

لا تنفي المصادر الإيرانية حصول بعض الاسترخاء الميداني الذي سمح لمنفذي عملية الاغتيال بارتكاب جريمتهم، «ما يستدعي إجراء المراجعة اللازمة واستخراج الدروس منها»، لكنها تدعو في الوقت نفسه الى الاخذ في الحسبان العوامل الآتية:

 

- إنّ عملية الاغتيال ليست وليدة اللحظة، بل هي أتت بعد تخطيط استمر لفترة طويلة.

 

- حماسة الرموز الإيرانية لمفهوم الشهادة ما يؤدي احياناً الى تَراخٍ في الاجراءات الاحترازية.

 

- توجد 15 دولة تحوط بإيران، وبعضها مُعادٍ او مخترق من المخابرات الإسرائيلية والأميركية. وبالتالي، تحدث أحياناً عمليات تسلل في اتجاه الداخل الإيراني عبر تلك الحدود المترامية الأطراف التي يصعب التحكّم التام بها نتيجة اتّساعها.

 

- تأثير منظمة «مجاهدي خلق» المعادية للنظام، والتي تقدّم الخدمات والتسهيلات لأجهزة الاستخبارات الخارجية انطلاقاً من كونها مُلِمّة بالأرض وتعرف الكثير من التفاصيل، في اعتبار انّ أعضاءها ايرانيون، «والاكيد انّ هذه المنظمة هي الأداة التي يجري استخدامها في تنفيذ أغلب الهجمات داخل إيران، حيث انّ جهاز الموساد لن يرسل إسرائيليين الى قلب الجمهورية الإسلامية ما دام هناك وكلاء له، يمكن أن ينوبوا عنه في تنفيذ مهام القتل والتفجير»، وفق استنتاج تلك المصادر.

 

وتعتبر المصادر إيّاها انّ اغتيال فخري زادة، وعلى رغم من قسوته، لا يجب أن يحجب إنجازات حقّقتها الاستخبارات الإيرانية، وأدت الى إحباط عشرات العمليات الارهابية التي لم يعلن عنها جميعها.

 

وتلفت المصادر إلى أنّ الاستخبارات الإيرانية تمكنت اخيراً من اعتقال رئيس «حركة تحرير خوزستان» المسؤول عن مهاجمة الحرس الثوري، «كما نفّذت من قبل عمليات خارج الحدود، أفضّت إحداها إلى اعتقال صاحب موقع إلكتروني كان يحاول من الخارج العبث بمجريات الوضع داخل إيران وإشاعة الفوضى، كذلك نجحت الاستخبارات في توقيف قائد «جيش العدل» بعد تحويل خط سير الطائرة التي كان يستقلّها وإجبارها على الهبوط في أحد مطارات الايرانية، من خلال عملية أمنية معقدة».

 

وتجزم المصادر الإيرانية أنّ اغتيال فخري زادة لن يؤثر سلباً على المخطط العلمي والتكنولوجي للجمهورية الإسلامية، «ومن يفترض العكس مخطئ وواهم، إذ انّ هذا الملف الحيوي لم يعد يتعلق بأشخاص مع التقدير الكامل لأهميتهم، وإنما أصبح يرتبط بمشروع مؤسساتي متكامل»، مشيرة الى انّ فخري زادة ترك خلفه عشرات العلماء الذين لن تُعرف كل أسمائهم وأدوارهم، «كذلك تعجّ مختبرات الجامعات الإيرانية بخلايا النحل المكوّنة من علماء واعدين يبلغ متوسط أعمارهم 32 سنة فقط، ولذلك لا قلق على المستقبل العلمي والتكنولوجي للجمهورية الإسلامية».