تحت عنوان التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان ″طار″ ومعه البلد!، كتب عبد الكافي الصمد في "سفير الشمال": عشية الذكرى الـ77 لاستقلال لبنان عن فرنسا عام 1943، التي صُودف وقوعها يوم أمس، تلقّى اللبنانيون بالمناسبة هدية غير سارة، وأعطت إشارة مقلقة جدّاً إلى مستقبلهم ومستقبل الأجيال المقبلة ومستقبل لبنان، بعدما أعلنت شركة ″ألفاريز″، يوم الجمعة الماضي، إنهاء العقد الموقع بينها وبين الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة المال، بهدف إنجاز مهمّة محدّدة لها وهي “التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان”، على خلفية الأزمة المالية الحادّة التي أوصلت البلاد إلى حافة الإنهيار، والتي ينزلق فيها رويداً رويداً.

 

 


الخبر كان صادماً ومفاجئاً في آن، لأن الآمال التي كانت معلقة على الشركة لكشف مصير ودائع المواطنين، التي جرت سرقتها بوقاحة لا سابق لها، قد تبخّرت، وأصبح استعادة تلك الودائع، فضلاً عن معرفة مصيرها، صعباً للغاية، ذلك أنّ إنهاء العقد مع شركة “ألفاريز” يجعل متعذراً، لأسباب قانونية، التعاقد مع شركة جديدة في ظل عدم وجود حكومة، والقانون يمنع حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة حسّان دياب أن تقوم بذلك، كما أن التعويل على الحكومة المقبلة التي ينتظر أن تكون برئاسة سعد الحريري، المكلّف منذ شهر بتأليفها، ضعيف جدّاً، كونه أحد الجهات المتهمة مع قوى سياسية أخرى بالوقوف خلف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لعرقلة عمل الشركة ومنعها من إنجاز مهمتها.

 

 

 

 

فعندما بدأت شركة “ألفاريز” عملها، بعد ضغوط داخلية وخارجية كثيرة، تعامل معها سلامة باستخفاف واضح، ورفض تزويد الشركة المعنية بالمستندات والوثائق المطلوبة، تحت حجّة أنّ قانون السرّية المصرفية المعمول به في لبنان يمنعه من تسليم أكثر من 50 في المئة من المعلومات المطلوبة للشركة، ورافضاً أيضاً قرار رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب تسليم الشركة المعلومات التي تطلبها، متسلحاً بدعم قوى وكتل سياسية وقفت خلفه ودعمته، في الحكومة ومجلس النوّاب والشّارع والإعلام والأوساط المالية والمصرفية، أبرزها تيار المستقبل وحركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي، فضلاً عن أوساط مالية وإقتصادية ومصرفية فاعلة ومتوّرطة لا مصلحة لها في كشف المستور.

 

 

تداعيات إنهاء شركة “ألفاريز” عقدها ستكون كثيرة وخطيرة في آن؛ فذلك يعني بكل وضوح أنّ التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان قد أصبح مستحيلاً، وهو أمر ستكون له إنعكاسات سلبية خارجية واسعة وبالغة الخطورة، ذلك أنّ التدقيق المالي هو أحد شروط المبادرة الفرنسية بهدف إنقاذ لبنان وانتشاله من أزماته، المالية تحديداً، وهو كذلك أحد شروط صندوق النقد الدولي. وفي الحالتين، فإنّ إسقاط التدقيق في حسابات مصرف لبنان سيضع المساعدات الدولية المفترضة، بما فيها تلك المقرّة في مؤتمر سيدر، في مهبّ الريح.

 

 

أمّا داخلياً فإنّ تداعيات هذا التطوّر أخطر وأشدّ تعقيداً، وتنذر بتطورات يُخشى معها أن تخرج الأمور عن السيطرة، إذ فضلاً عن الإحباط الكبير الذي أصاب اللبنانيين في عدم معرفة الودائع الخاصة والأموال العامّة التي طارت، فإنّ الليرة اللبنانية سوف تتعرض في الأيام المقبلة لضغوط أكبر، وستنهار أكثر، كما أن تناقص محفوظات مصرف لبنان من العملات الصعبة، وتحديداً الدولار، يعني أنّ القعر الذي سينزلق إليه البلد في الأيام المقبلة سيكون سحيقاً جدّاً.