لربما الذاكرة السويسرية اللبنانية مشلولة منذ أن خلقت، والكل يصدح ويرفع الصوت والنداء، ويتطلَّع إلى خالق هذا الكون، وينتظر الفرج، باستسلام ساذج. ولكن بما كسبت أيديكم، فكلوا ما حصدتم. وعلينا وعليكم بزراعة الأوردة وصكوك الغفران.
 

سكة القطار معطَّلة منذ أن خلقنا في هذا البلد، بل أدركنا أنَّ البوصلة العربية والإسلامية متوقفة في الإتجاهات الأربعة، والشعوب في كلا البوصلتين تائهة في رحاب الكون الواسع، لربما بعيدة كل البعد عن عقارب الساعة الطبيعية والمدار الزمني، لكنها دائرة في دائرة الطحن والطحين وفي دوَّارة غامضة المعالم ومعدومة الإتجاه. فلا البلد هو البلد، ولا سويسرا الشرق هي سويسرا الغرب والشرق، إنه بلد ملبَّد بغيومٍ سوداءٍ متراقصة، ومراكبنا تتقاذفها أمواج النفط الحدودي والطائفي، وحواسيب الحيتان بارتفاع ما دام البحر ممتلئ بالحلزونات والأسماك والحنتليسيات، وما زالت الأنواء تعصف بها من كل جانب، وتبقى الأشرعة والمراسي بعيد عن أهلها. 

 

 

لربما أراني متكلماً عن الشعوب العربية والإسلامية، بدلاً من أن أتحدَّث عن بلدي ـ سويسرا الشرق ـ لأنني منذ أن أبصرت وأنا أردد مقولة ـ والدي ـ الذي ردَّدها عن والده، يا بُني إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في لبنان، عليك أن تعي ماذا يجري في ـ فلسطين ـ القضية الأم. وفي العراق عليك أن تعرف ماذا يجري في السعودية والخليج، وفي إيران عليك أن تعرف ماذا يجري في تركيا، وفي ليبيا عليك بمصر، وفي الدولة الغاصبة ـ إسرائيل ـ عليك أن تعرف ماذا يجري في الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا انقضت الأيام، وانتهى العمر، ومات والدي، وأنا أنقل لولدي عما يجري في لبنان.؟؟!!. ويضيع العمر وتنقضي الأيام بحثاً عن الأوهام الضائعة. 

 

 

تذكرت مقولة في الستينيَّات، أنَّ الطريق إلى الأم ـ فلسطين ـ تمر من جونية، وهكذا تمر في دائرة الكون الواسع والفسيح، لأنك إن أردت أن تقتل الأمريكي في العراق، فعليك بسحق العراقيين والعراقيات، وإذا أردت أن تقضي على خصمك في بلدك، فعليك أن تتبرأ من جيرانك، وإذا أردت أن تعارض السلطة والرياسة، فعليك أن تؤذي رحمك وبنيك، وإذا أردت أن تكره الرئيس أو الزعيم، فعليك أن تتعدى على محبيه ومؤيده ومريديه،، وإذا أردت أن تذم حزباً أو تنظيماً أو جميعية، فما عليك إلا أن تكتب عن ـ اليساريين ـ  الملحدين ـ الكافرين ـ وإذا أردت أن تبحث عن وطنٍ ودولةٍ وقانون، فعليك أن ترمي أوساخك في آذان الآخرين، وإذا أردت أن تحب شيخ الجامع، فعليك بكره الراهب في الكنيسة، وإذا أردت أن تحب إمرأة، فعليك بالتحرش بجارتها، وإذا أردت أن يرضى عليك مسؤول القرية، فعليك أن تذم أستاذ المدرسة، وإذا أردت أن تشمَّ ريحانة وردٍ، فعليك بقلع زنبقة جارك، وإذا أردت الحياة، عليك أن تركض وتبحث عنها في مقابر الموت، وإذا أردت أن تأكل ـ علبة سردين ـ فاغلق فمك واسكت عن مظلمتك وانعم بالحرية والكرامة.

 

 

وهكذا هي الأيام، فكيف يمكن للمواطن اللبناني، أن يعي تكريبة هذا البلد السويسري، ويستوعب ماذا يدور في الرأس وحتى أخمص القدم، بدءاً من فلسطين حتى أرض الصومال والواق واق.

 

 

 لربما الذاكرة السويسرية اللبنانية مشلولة منذ أن خلقت، والكل يصدح ويرفع الصوت والنداء، ويتطلَّع إلى خالق هذا الكون، وينتظر الفرج، باستسلام ساذج. ولكن بما كسبت أيديكم، فكلوا ما حصدتم. وعلينا وعليكم بزراعة الأوردة وصكوك الغفران.