كتب منير الربيع في "المدن": لا بقعة ضوء في النفق. ليس هناك ما يؤشر على بادرة أمل. كل الطرق مقفلة. سياسياً، وتحديداً في الملف الحكومي، الأفق مسدود حتّى الآن. الاحتمالات ليست كثيرة، إما استمرار المراوحة أو يتنازل رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، ويرضخ لشروط رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، المدعومين من قبل حزب الله.

 

شيا والسخط الأميركي

والحزب نفسه  يعتبر أن ما بعد العقوبات على باسيل ليس كما بعدها. و"من يتوقع بخلاف ذلك فلا يعرفنا". يشدد الحزب على أن باسيل محق في ما يطلبه، باعتماد وحدة المعايير. وفرضاً، لو تشكلت الحكومة بناء على تنازلات متبادلة، وتمثّل فيها حزب الله وباسيل، فلن تكون النتائج المتوقعة منها مختلفة عن نتائج حكومة حسان دياب. وذلك بشهادة استباقية للسفيرة الأميركية دورثي شيا.

 

شيا، التي تستمر بلقاءاتها مع المسؤولين اللبنانيين، تؤكد أن بلادها لم تنحرف عن المسار القائم. ستستمر سياسة فرض العقوبات، ولن ينال لبنان أي مساعدات قبل الاعتراف بمسؤولية حزب الله عن هذا الانهيار والتدهور وتحميله هو المسؤولية. وبالتالي، التجاوب مع الضغوط الهادفة إلى عزله وإضعافه. وهو كلام ستكرره سفيرة الولايات المتحدة لدى استدعائها من قبل وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، شربل وهبة. بالإضافة إلى حجم السخط الأميركي من مشاركة لبنان في مؤتمر اللاجئين السوريين الذي نظمته روسيا في سوريا.

 

الخط الأحمر وضياع المبادرة الفرنسية

إقتصادياً، مسار الانهيار المالي مستمر، بما أن لا مساعدات يمكن للبنان الحصول عليها. فلا خطة إصلاحية مرتقبة، ولا برنامج واضحاً يتيح نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وفي الشهر المقبل يصل الاحتياطي النقدي لدى مصرف لبنان إلى مشارف الخطّ الأحمر، ما سيحتم رفع الدعم عن الكثير من المواد الأساسية. وهي مسألة يتم التداول بها على مستويات متعددة، لأنه لن يكون هناك مجال للاستمرار في توفير الدعم لهذه المواد. وسينجم عن ذلك مخاطر متعددة، اجتماعياً وإنسانياً، وسينعكس سلباً على سعر الليرة مقابل الدولار.

 

المبادرة الفرنسية ضاعت في الحسابات اللبنانية وزواريبها المتضاربة. اختتم الموفد الفرنسي زيارته للبنان ولم يخرج بنتيجة واضحة. حزب الله وباسيل يعتبران أنه حاول استخدام العقوبات التي فرضت على رئيس التيار الوطني الحرّ، لدفعه إلى تقديم التنازلات، والقبول بشروط الحريري لتشكيل الحكومة. بينما آخرون اعتبروا أن باريس وفي سبيل انجاح مبادرتها لم تمانع من الوصول إلى تسوية بين الرئيس المكلف وباسيل، ولو اقتضى ذلك تقديم تنازلات تفتح الطريق أمام الحكومة. لكن ذلك لن يحظى بموافقة أو مباركة أميركية وخليجية. ما يعني أن الضغوط ستزداد، مع استمرار التلويح الأميركي بفرض عقوبات، وفق قانون ماغنيتسكي، على المزيد من الشخصيات السياسية.


 
 

ستعقد الخلية الفرنسية المكلفة بالملف اللبناني اجتماعاً، للبحث في مصير المبادرة وكيفية انقاذها، وهل سيكون بالإمكان حمايتها وإنجاحها في فترة 15 يوماً، أي قبل بداية الشهر المقبل، والذي ضرب فيه إيمانويل ماكرون موعداً لزيارة ثالثة إلى لبنان. هنا لا جواب واضحاً بعد. لكن الأكيد أن باريس لن تعمل على عقد المؤتمر الدولي لدعم لبنان، في ظل عدم تشكيل الحكومة، ولا مساعدات للبنان. كما أن ماكرون لم يحسم أمر زيارته إلى لبنان في حال عدم تشكيل الحكومة. ويعتبر آخرون أنه قد يزوره من دون إجراء أي لقاءات سياسية مع المسؤولين، وسيكتفي بلقاء مجموعات من المجتمع المدني وقوات "اليونيفيل".

 

وفي ذلك، ستوجه رسالة أساسية ومباشرة إلى القوى اللبنانية، لها رمزيتها من خلال اللقاء مع قوات اليونيفيل، والتي أعاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش الإشارة إلى أهمية تعزيز دورها في الجنوب اللبناني لتتمكن من القيام بمهامها، ومنع حصول أي خروقات للقرار 1701. في تماه واضح مع الضغوط الأميركية على حزب الله.

 

مسار الفوضى

هذا المسار، يؤكد أن لبنان سيكون ساحة متجددة للفوضى على مختلف الصعد. فوضى تنعكس اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وربما أمنياً، خصوصاً مع كلام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حول وجوب مقاومة سيطرة محور المقاومة على لبنان، وأن الوضع يشبه إلى حدّ بعيد مرحلة العام 1975.

 

في ظل هذه الفوضى، ستخرج أصوات كثيرة تعلن لبنان دولة فاشلة أو مارقة، لا مؤسسة ولا شخصية قادرة على إدارتها. وقد تطالب هذه الأصوات بفرض وصاية دولية على البلد تحت إشراف الأمم المتحدة، وعلى قاعدة متجددة، هي تحميل حزب الله مسؤولية الوضع الذي وصلت إليه البلاد، ما يعني فتح الباب أمام المزيد من الانهيارات والتوترات، والوصول إلى خلاصة واحدة، هذا اللبنان المشهود والمعروف أصبح في طور تغيّر كبير. وما سيرسي هذا التغيّر هو موازين القوى التي ستكون قائمة حينها.